قانون الانتخاب.. هل يدخلنا إقراره في دهاليز وأنفاق نحن بغنى عنها في هذه المرحلة الحساسة؟

هل يعرف الرئيس المكلف فايز الطراونة أن الاستحقاق الأهم أمام حكومته في هذه المرحلة هو إنجاز قانون انتخاب ديمقراطي وعصري، يفرز مجلسا نيابيا يمثل "حقيقة" المواطنين؟ طبعا. ولا يعني ذلك التقليل من شأن الخطوات والإجراءات والتشريعات الإصلاحية الأخرى، ولكن هذا القانون يظل الأهم في المرحلة الحالية، التي وصفت من قبل الطراونة وشخصيات سياسية وحزبية ونيابية بأنها حساسة، وتستدعي إقرار قانون انتخاب يساهم في تعزيزالديمقراطية، ويمهد الطريق أمام الحكومات البرلمانية.اضافة اعلان
فإقرار القانون المناسب، وفي الوقت المناسب، يفتح الطريق أمام إجراء الانتخابات النيابية هذا العام. أما التأخر في ذلك فيعني تأجيل الانتخابات إلى العام المقبل، وهو أحد الأسباب الرئيسة التي أدت إلى استقالة حكومة عون الخصاونة.
نعم، لا أحد يطالب بالتسرع، ولكن أيضا هناك خطورة كبيرة في التباطؤ المتعمد. والرئيس المكلف يؤكد أن الربيع الأردني ربيع  أخضر، ولن يكون أبدا ربيعا أحمر. وهو صادق في ذلك، ولكن "الربيع الأخضر" لا تقف وراءه الحكومات المتعاقبة، وإنما قناعة صاحب القرار بضرورة الإصلاح، ووعي الشعب وحراكاته الإصلاحية وقواه السياسية، ومنظمات المجتمع المدني، بأهمية الحراك السلمي، والتزامهم بسلمية حراكهم وفعالياتهم، وأنشطتهم مهما كانت الاستفزازات، أو محاولات إجهاض الحراك الإصلاحي من قوى الشد العكسي. فعلى العكس، فإن غالبية الحكومات التي جاءت منذ انطلاق الحراكات الشبابية والشعبية الإصلاحية وترت الأجواء، واتخذت خطوات وإجراءات غير مناسبة أبطأت بها مسيرة الإصلاح الديمقراطي.
ومع أن الجميع كان يعرف أن هناك توجهات رسمية لإجراء الانتخابات النيابية والبلدية هذا العام، إلا أن الحكومات المتعاقبة غضت نظرها عن هذه التوجهات عمليا، بالرغم من التمسك بها لفظا.
وبدلا من التوجه من أجل تحقيق الخطوات اللازمة لهذا الاستحقاق، أدخلتنا بعض الحكومات وقوى الشد العكسي في أزمات ولحظات توتر مستمرة، كان آخرها توقيف ناشطي حراك الطفيلة وحراكات شبابية أخرى، ولولا مكرمة ملكية لكانت الأزمة مستمرة حتى الآن.
ومع أن الحكومة السابقة قطعت خطوات لا بأس بها على الصعيد الإصلاحي، ونخص بالذكر تقديم مشاريع قوانين "الإصلاح" في الوقت الذي التزمت به أمام مجلس النواب، وإقرار قانوني الهيئة المستقلة للإشراف على الانتخابات، والبلديات، من قبل المجلس، إلا أن تلك الحكومة تأخرت في تقديم قانون الانتخاب إلى مجلس النواب، حتى إن الموعد الذي حددته في بيانها الوزاري (نهاية آذار) كان متأخرا، لاسيما أن هذا القانون يعتبر صلب عملية الإصلاح.
نعم، ربيعنا أخضر، وسيبقى كذلك. ولكن على الحكومة الحالية المساهمة في ذلك، من خلال خطوات إصلاحية فعلية. وللأسف، فإن التصريحات التي أطلقها الرئيس المكلف خلال زيارته لمنزل رئيس مجلس النواب عبدالكريم الدغمي، وبعدها خلال لقائه بالكتل النيابية، لا تعطي انطباعا إيجابيا عن دور الحكومة في العملية الإصلاحية، بل العكس؛ فهي مؤشرات سلبية، وقد تدخلنا في أنفاق ودهاليز نحن في غنى عنها. وقد تزيد من التوتر، ومن زخم الحراكات الشعبية والشبابية المطالبة بالإصلاح. والمقصود هنا تصريحات الرئيس المكلف فيما يتعلق بقانون الانتخاب، إذ أكد أنه لن يسحب مشروع القانون من مجلس النواب، مع أنه يعرف تماما أن غالبية القوى السياسية والحزبية والمدنية ترفض المشروع، وتعتبره مشروعا "سيئا"، ولا تصنفه ضمن مشاريع الإصلاح. كما أن حزب جبهة العمل الإسلامي، الحزب الأكبر في الساحة السياسية يقاطع مجلس النواب الحالي، ويعتبره مجلسا "لا يمثل الأردنيين حقيقة".
ولذلك، فإن الأمور مرشحة للتأزم أكثر، لاسيما أن غالبية أعضاء مجلس النواب لديهم رؤية متعلقة بقانون الانتخاب، وهي تختلف جذريا عما تأمله القوى السياسية والحزبية المعارضة، وبعض الأحزاب الوسطية، وغالبية مؤسسات المجتمع المدني.
كما أن تصريحات الطراونة أمس في مجلس النواب خلال لقائه بالكتل، والتي اعتبر فيها أن "الصوت الواحد لم يدفن بعد"، توحي بأن الرئيس المكلف لا يؤمن بمضار وسلبيات الصوت الواحد، بعكس كل القوى والفاعليات السياسية والمجتمعية والمدنية، وكذلك بعكس توصيات لجنة الحوار الوطني التي أقرت النظام الانتخابي المختلط.
يبدو أن الرئيس المكلف سيسعى ضمن ما سيسعى إليه خلال الحوار في مجلس النواب إلى إعادة طرح الصوت الواحد كخيار تؤمن به الحكومة الجديدة. وهو بالتالي ينسف ما التزمت به الحكومة السابقة التي تغنت "بدفن قانون الصوت الواحد".
المؤشرات الحالية على قدرة الحكومة القادمة على تحقيق "خرق" كبير في الملف الإصلاحي سلبية. ويبدو أننا أمام مرحلة صعبة، وأن الاستحقاقات الديمقراطية المنشودة ستراوح مكانها!

[email protected]