قانون الانتخاب وأزمة النخبة السياسية

بعد أن أقرّ مجلس النواب قانون الانتخاب الذي واجه ويواجه معارضة كبيرة من الأطياف السياسية كافة؛ فإن الأنظار تتوجه الآن نحو مجلس الأعيان، إذا ما كانت هناك إمكانية لإدخال تعديلات جوهرية على القانون التي يبدو أنها صعبة، نظراً لعامل الوقت وعوامل أخرى.اضافة اعلان
إن قانون الانتخاب هو مصدر انقسام في المجتمع الأردني، والمعارضة تطالب بقانون تعتقد أنه سوف يرقى بالحياة السياسية وبنوعية النواب، وهذا صحيح. ولكن، هل أزمة نوعية النخبة السياسية هي فقط ناتجة عن قانون انتخاب الصوت الواحد الذي جرت الانتخابات على أساسه لخمس دورات متعاقبة؟
أعتقد أن قانون الانتخاب هو أحد الأسباب، ولكنه ليس السبب الوحيد، بالرغم من أن توجهاً في قانون الانتخاب نحو القائمة الوطنية وليس المختلطة، وطبعاً ليس القانون الحالي. لكنني لا أعتقد أن أياً من هذه القوانين أو الأنظمة سيشكل حلاً سحرياً وينتج نخبة سياسية ديمقراطية، لأن هنالك عوامل أخرى مهمة تؤثر في إنتاج النخبة السياسية.
تاريخياً؛ جاءت النخب السياسية من ثلاثة مصادر رئيسة:
المصدر الأول، هو الدولة نفسها. فعلى مرّ السنين، استطاعت الدولة أن تنتج نخبة سياسية من رحم أجهزة الدولة البيروقراطية أو من القطاع العام بشقيه المدني والعسكري. ولكن مع مرور الوقت وتغير دور الدولة الاقتصادي وتراجع دورها في مجالات أخرى، ومع تنامي القطاع الخاص ودوره ومكانة المال والثراء، لم يعد القطاع العام جاذباً لكثير من الكفاءات والنخب. بالإضافة إلى ذلك، ولأسباب سياسية عديدة، لم يعد المنصب العام منصباً سياسياً، ومن ثم فإن كثيرا ممن تبوأوا مناصب سياسية تواروا عن الحياة العامة، ولم نعد نسمع شيئاً عنهم. وعليه، لم تعد الدولة كما كانت في السابق صانعة للنخب السياسية، كما تراجع مستوى ونوعية النخب التي تشغل مناصب عامة.
المصدر الثاني لإنتاج النخب في الأردن كان الأحزاب السياسية التاريخية المعارضة، من القوميين والشيوعيين والإسلاميين وغيرهم. لقد كانت هذه الأحزاب جاذبة ومنتجة للنخب السياسية التي كانت ترفد الدولة أو تجذبها الدولة لتبوؤ مناصب سياسية فيها. وعليه، شكلت هذه الأحزاب مصدراً مهماً لتكوين النخب السياسية. ولكن مع مرور الوقت، ومع التحول إلى الحياة البرلمانية، لم تعد الأحزاب عامل جذب للنخب، وشاخت هذه الأحزاب وقياداتها ولم تستطع أن تعيد إنتاج نخبة سياسية ذات مستوى رفيع لا لقيادة هذه الأحزاب، ولا لرفد الدولة بقيادات سياسية. أما بالنسبة للأحزاب الوطنية أو الوسطية، فكانت أقرب إلى ما يمكن تسميته "تدوير النخب البيروقراطية" التي لم يكن أغلبها مقنعاً للشارع، ولم تقدم قيادات جديدة خارج هذه النخبة المدورة. ومن ثم، لم تعد الأحزاب التاريخية منتجة للنخب، ولم تستطع الأحزاب الجديدة إنتاج نخب سياسية جديدة.
أما المصدر الثالث، فكان من المستقلين، وغالبيتهم كانوا يأتون من الجامعات الأردنية، وكانوا يشكلون نخبة التكنوقراط ولم يكونوا سياسيين في الغالب، إذ كانوا يعودون إلى جامعاتهم ويستثمرون في حياتهم الأكاديمية.
أما البرلمان، فهو مؤسسة أساسية في الدولة الأردنية، وقد تراجع حضور السياسيين فيها خلال العقدين الماضيين لأسباب كثيرة، منها قانون الانتخاب؛ لكن العامل الذي لا يقل أهمية عن القانون هو غياب النزاهة عن الانتخابات البرلمانية، وتزايد دور المال السياسي، ما أدى إلى تراجع البرلمان على صعيد قدرته على إنتاج النخبة السياسية، وامتلأت مقاعده بأعضاء غير مسيسين وغير معنيين بالشأن العام ومن غير الأكفاء، واهتم كثير من النواب بمصالحهم الشخصية ومصالح ناخبيهم، وتم حرمان الدولة من القيادات الواعية التي كان من الممكن أن تشكل رافداً حقيقياً للنخبة في الدولة الأردنية.
خلاصة القول هو أننا أصبحنا أمام أزمة مزدوجة؛ قانون انتخاب لا يفرز نخبة سياسية، وعدم وجود آليات لإنتاج هذه النخب. إن من أهم نتائج الحراك السياسي في الأردن في العام الماضي هو بروز قيادات شعبية جديدة في مناطق المملكة كافة، نتمنى أن تشق طريقها للحياة السياسية من خلال الأحزاب والبرلمان.

[email protected]