قانون الانتخاب وإشكالية الثبات

منذ استئناف الحياة البرلمانية العام 1984، وعودتها بشكل كامل بعد انتخابات تشرين الثاني العام 1989 ما يزال الجدال والنقاش دائراً ومستمراً حول القانون الأنسب والقادر على التأسيس لحياة سياسية فاعلة ومنتجة تؤدي لقيام حكومات برلمانية مستقرة لديها سياسات وبرامج تحاسب على أساس إنجازها وتضع الناخبين أمام نتائج خياراتهم. بغية الوصول لذلك جرت الانتخابات النيابية خلال ثلاثين عاماً وفق خمسة قوانين انتخابية؛ التصويت لكامل أعضاء المحافظة أو الدائرة وقانون الصوت الواحد الذي أدخلت عليه حكومة السيد سمير الرفاعي تعديل الدوائر الوهمية العام 2010 وصولاً لقانون العام 2013 الذي تضمن الانتخاب على أساس النظام المختلط بحيث يتم التصويت للدائرة الفردية والتصويت للقائمة الوطنية المغلقة التي تضمنت 27 مقعداً، وأخيراً قانون العام 2016 الذي أجريت انتخابات مجلس النواب الحالي على أساسه وتضمن نظام القوائم المفتوحة ضمن المحافظات ودوائر البدو أو ضمن الدائرة كما جرى في العاصمة عمان والزرقاء وإربد. الرهان الحكومي على قانون القوائم المفتوحة كان كبيراً باعتباره جاء نتيجة حوار وتوافق وطني وقد يؤسس لنموذج أردني في الديمقراطية البرلمانية وينهي حالة الجدل والخلاف التي سيطرت على المشهد الانتخابي منذ أن أقرت حكومة الدكتور عبد السلام المجالي قانون الصوت الواحد العام 1993، لكن الممارسة العملية أثبتت خلاف ذلك تقريباً فمعظم القوائم حصلت على نائب باستثناء دائرة الكرك الانتخابية إذ حصلت قائمتان على أكثر من مقعد عدا مقاعد الكوتا، ولم يختلف المنتج النيابي تقريباً فالغالبية منهم استطاعوا التكيف أو التحايل على القوانين الخمسة وأنظمة الانتخاب والاقتراع تماما كما يتكيف ويتحايل الجسم على المضاد الحيوي. من الإنصاف القول إن قانون القوائم المفتوحة على مستوى المحافظة شكل تطوراً مهماً من ناحية توسيع الدائرة لتشمل المحافظة وإعطاء مساحة كافية للناخب في التصويت لكامل أعضاء القائمة والتصويت للقائمة نفسها، لكنه اصطدم بما تم التحذير منه وهو أن نجاح هذا القانون يتمثل في عدالته التي لا يمكن أن تنجز في غياب العتبة وهي نسبة معينة من الأصوات تمكن القائمة في حالة الحصول عليها من الدخول في المنافسة على المقاعد النيابية وأي قراءة رقمية لنتائج الانتخابات والفروق بين الناجحين ضمن المحافظة نفسها تطرح تساؤلاً يستدعي إجابةً عند الحديث عن أي تعديل وتستطيع الحكومة الاستعانة بخبراء إحصائيين ومن وحي نتائج الانتخابات الأخيرة يمكن تقدير النسبة المئوية العادلة للعتبة. كذلك بقي الصراع والتنافس ضمن القائمة نفسها وأظهرت الممارسة العملية خيبة أمل كبيرة إذ تبدى أن هناك رأسا في القائمة والبقية مجرد حشوات وجسر. نحتاج لعام تقريبا للانتخابات النيابية إذا ما أنهى المجلس الحالي مدته الدستورية التي قد تسيل خلالها مياه كثيرة وربما تطورات إقليمية قد تستدعي أن تؤخذ بعين الاعتبار عند إجراء أي تعديل للقانون. ولكن يبدو أنه لا يوجد حتى الآن توجه لدى الحكومة لإجراء تعديل جوهري على القانون كما طالبت الأحزاب الـ 24 التي اجتمعت قبل أيام وقدمت مقترحات مهمة ولكنها موغلة في الأحلام أو على الأقل لم تكتمل الظروف الموضوعية محلياً من الناحية السياسية للتعاطي معها. القانون الحالي جيد إذا ما تم التعامل مع بعض الثغرات التي أظهرها الاختبار الأول له في 20/9/2016، وتستطيع الحكومة والهيئة المستقلة للانتخابات معالجتها بسهولة إذا ما حسمت مسألة نسبة العتبة والمال السياسي الذي ينفق بترف مذهل وعزوف الناس عن المشاركة خاصة في المدن الكبرى وأي ثغرات في النظام الانتخابي وتقسيم الدوائر.اضافة اعلان