قانون "عشائري" جديد

قد تكون مفارقة غريبة أن تلجأ الدولة اليوم، في العام 2015، إلى تشريع قانون ينظم العادات والتقاليد العشائرية، كان كشف عنه وزير الداخلية سلامة حماد قبل يومين في اجتماع رسمي لبحث مسودة القانون. فلم يسبق للأردن منذ تأسيس الإمارة العام 1921، تشريع مثل هذا القانون، رغم الاعتراف رسميا وقضائيا بالأعراف والتقاليد العشائرية في قضايا ومعاملات اجتماعية عديدة.اضافة اعلان
نعم، هي مفارقة وغريبة، لكنها قد تكون ضرورية، وعلى الدولة والمؤسسة القانونية أن تملأ الفراغ، وتلبي الحاجة لتوفير بيئة اجتماعية وقانونية تضمن السلم الأهلي وتحافظ على حقوق المواطنين، خاصة بعد أن عجز المجتمع المدني والتجمعات العشائرية عن حل وترتيب بعض العلاقات الاجتماعية والمدنية، لاسيما في قضايا مثيرة لنزاعات عشائرية وجماعية واسعة، كما في قضايا القتل والعرض.
بحسب الوزير حماد، فإن "قانون تنظيم العادات والتقاليد العشائرية لسنة 2015"، سينحصر في قضايا القتل والدم والعرض و"تقطيع الوجه". مشيرا إلى الكثير من "الافتراءات" التي تحدث في القضايا العشائرية، وضرورة حسمها من خلال إعطاء الحاكم الإداري الصلاحيات اللازمة، استنادا لقانون واضح يعالج الاختلالات والتجاوزات، وينظم علاقة جميع الأطراف، وفقا لمبادئ الشرع والقيم الأردنية.
الهدف، حسب حماد، هو الوصول لقانون يساعد الحكومة والدولة والمواطنين في معالجة القضايا العشائرية، بشكل عادل وواضح، لا لبس ولا تطاول أو تجاوز فيه.
رغم أن الانطباع الأولي يوحي بأن في اللجوء لوضع مثل هذا القانون اليوم ردة إلى عقود مضت، أو تراجعا عن دولة القانون والمؤسسات باتجاه تأطير قيم وعادات عشائرية بقوالب قانونية، فإن ضرورته تتبدى واضحة، إذا ما عرفنا أن القضايا التي سيعالجها تعاني منها آلاف الأسر وعشرات آلاف المواطنين، ممن خضعوا أو يخضعون لأحكام ما يسمى بـ"الجلوة العشائرية" في قضايا القتل والعرض، حيث يشرد مئات، وأحيانا آلاف البشر، من مساكنهم وأعمالهم ومدارسهم وأراضيهم، بجريرة فعلة فردية من قاتل من العشيرة، تجنبا للثأر والانتقام.
في محافظة الكرك وحدها، ما تزال ومنذ نحو عشرة أعوام، مئات العائلات، من مناطق مختلفة بالمحافظة، تعاني جراء الجلوة عن مساكنها وقراها، وكل ذنبها هو "صلة الدم" التي تجعل أفرادها شركاء بالعقوبة عشائريا. أما على مستوى المملكة، فتشير تقديرات وزارة الداخلية إلى أن عدد القضايا العشائرية العالقة تبلغ 303 قضايا، وخلف كل قضية معاناة بشر، من رجال ونساء وأطفال وآباء وأبناء، تقطعت بهم السبل وانتزعوا بليل من حياتهم!
لم يتحدث الوزير بعد عما سيتضمنه القانون فيما يخص الجلوة العشائرية، وفرضها على عشيرة القاتل. وقد يصعب على الدولة اليوم التراجع عن "الجلوة" باعتبارها عرفا وتقليدا عشائريا، له مفعول يفوق مفعول القانون، وحتى الشرع في أحيان كثيرة، فضلا عن أن السلطات تلجأ إلى الجلوة حقنا للدماء ومنعا لوقوع جريمة أو جرائم أخرى انتقاما وثأرا من أقارب القاتل.
ورغم صعوبة إلغاء الجلوة، فإن المطلوب اليوم على الأقل، وعبر هذا القانون، ضبط التوسع الكبير في المشمولين بالجلوة، إذ تتسع حاليا دائرة الأقارب وأبناء العشيرة المشمولين بحكم الجلوة، أو ما يسمى بـ"العد" للجد الخامس بدل الثالث. كذلك، مطلوب من القانون والدولة عدم التساهل مع إطالة أمد المعاناة للعديد من العائلات والعشائر، التي حكم عليها بالجلوة، فيما يرفض ذوو الضحية إبرام صك صلح عشائري، يسمح لأبناء عشيرة القاتل بالعودة لمنازلهم وأعمالهم.
ثمة تعقيدات وتشابكات كثيرة في القضايا العشائرية، قد لا يكون سهلا معالجتها عبر القانون المرتقب، لكنه بلا شك خطوة مهمة وضرورية، تفتح الأمل لإنهاء معاناة آلاف الناس والأسر، وتحتاج لإسناد مجتمعي وعشائري وسياسي واسع، وتستحق أن تدعم من الجميع.