"قانون نقل 2017" يبحث عن إرادة لتنفيذه.. والضحية الركاب والسائقون

باصات نقل عام في عمان -(تصوير: ساهر قدارة)
باصات نقل عام في عمان -(تصوير: ساهر قدارة)
تيسير النعيمات

يعد تحويل الملكيات الفردية لحافلات النقل العام إلى شركات ضرورة للنهوض بالقطاع وتحسين الخدمة والحد من أزمات المرور، إلّا أن معيقات مثل غياب الإرادة وكلفة الدعم وعدم وجود شبكة مواصلات ذكية ومعارضة مالكي هذه الحافلات وصعوبة الإجراءات الإدارية تشكل عوائق أمام تطبيق القانون، وفق وزراء نقل سابقين وخبراء في النقل والمرور.

وعلى الرغم من تأكيدهم في أحاديث منفصلة لـ"الغد" أهمية عملية تحويل الملكيات الفردية إلى جماعية لانعكاسها إيجابيا على الاقتصاد الوطني وتجويد خدمة النقل العام وتخفيف الأزمات المرورية وتحسين ظروف العاملين في القطاع، إلا أن الوزراء السابقين والخبراء أكدوا أن تنفيذ النص الوارد في قانون نقل الركاب لسنة 2017 ومنح مهلة خمس سنوات لأصحاب الملكيات الفردية إلى شركات "لم يتم تنفيذه" مع انتهاء المهلة المحددة ولم يتم إحراز أي تقدم يذكر بهذا الخصوص. وزير النقل الأسبق هاشم المساعيد، الذي وصف قطاع نقل الركاب بـ"الهش" و"الضعيف" أشار إلى أن المادة 13 من قانون نقل الركاب لعام 2017 نصت على حوافز إلى جانب مهلة خمس سنوات لتحويل الملكيات الفردية إلى شركات "الا أنه لم يحدث أي تقدم ملموس بهذا الخصوص إذ شهدت تباطؤا كبيرا" . وتنص المادة 13 من قانون تنظيم نقل الركاب لسنة 2017 "أ. على المرخص لهم العاملين على خطوط نقل الركاب بموجب تراخيص وتصاريح فردية تصويب أوضاعهم خلال مدة لا تتجاوز خمس سنوات من تاريخ نفاذ هذا القانون من خلال إحدى الآليات التالية :1- الاندماج في شركة واحدة لتقدم خدمات نقل الركاب على خط واحد أو مجموعة من الخطوط التي تخدم منطقة واحدة على أن تراعي حقوق المرخص لهم عند احتساب نسب الملكية في هذه الشركة. 2 – الاشتراك في شركة إدارة الخط الواحد أو مجموعة من الخطوط التي تخدم منطقة واحدة. وتنص الفقرة ب من نفس المادة "للهيئة أو الجهة المختصة اتخاذ الإجراءات اللازمة بحق المرخص لهم الذين لم يقوموا بتصويب أوضاعهم خلال المدة المشار اليها في الفقرة ( أ ) من هذه المادة مع الأخذ بالاعتبار حقوقهم القانونية". فيما نصت الفقرة ج " للهيئة أو الجهة المختصة تحفيز الشركات من خلال التنسيب لمجلس الوزراء بإعفاء الشركات التي تتشكل من اندماج المشغيلن الفرديين من الضرائب والرسوم بما في ذلك رسوم الجمارك وضريبة المبيعات على وسائط نقل الركاب على ان تصدر الهيئة تعليمات لهذه الغاية" . وأكد المساعيد أن معظم الملكيات فردية "لا تستطيع تقديم خدمات جيدة ولا تسهم بتخفيف الازدحامات المرورية"، معتبرا ان الحوافز لتحويل الملكيات "لا بد أن تشمل حوافز مالية مثل تسهيلات بنكية وإعفاءات جمركية لتشجيع أصحاب الملكيات الفردية لانشاء شركات مساهمة". وبين أن موضوع تحويل الملكيات طرح منذ عام 2006 الا انه وعلى الرغم من مضي نحو 15 عاما عليها لم يشهد أي تقدم يذكر وما يزال يراوح مكانه مع غياب الجدية بتنفيذه، مؤكدا ان خدمة النقل العام يجب ان تقدم على أصولها من خلال الشركات وشبكات النقل الذكية لضمان جودة الخدمة. وقال إن "قطاع نقل الركاب والذي يعاني من هشاشته وضعفه لا بد من تنظيمه من خلال شركات يسهل التعامل معها ومتابعتها ومراقبة جودة خدمتها واتباعها للمعايير الا أن من المعيقات التي تحول دون الوصول اليها أن أصحاب الملكيات الفردية يحتجون على أي توجه لتحويلها إلى جماعية فضلا عن صعوبة تقديم الدعم المالي من قبل الحكومة في ظل أوضاع الموازنات الصعبة فضلا عن عدم وجود شبكة نقل ذكية". واشار المساعيد إلى أن من الفوائد التي تتحقق للعاملين في القطاع شمولهم بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي فضلا عن ساعات عمل محددة وظروف عمل أفضل. وزاد عدد وسائل النقل العام بنهاية العام الماضي بنسبة 6.2 % مقارنة بالعام الذي سبقه، وفقا لأرقام وزارة النقل. وبحسب الأرقام الصادرة حديثا، فقد بلغ عدد هذه الوسائط التي تشمل الحافلات وسيارات الركوب المتوسطة والركوب الصغيرة والتاكسي نحو 37.6 ألف وسيطة مرتفعا من 35.4 ألف وسيطة بنهاية العام الذي سبقه. وارتفع عدد كل من الحافلات المتوسطة العمومية ضمن اختصاص الهيئة بنسبة 4.1 % إلى نحو 3.6 ألف من نحو 3.4 ألف العام الذي سبقه والحافلات العمومية ارتفع عددها بنسبة 5.3 % إلى 817 حافلة العام الماضي من 776 حافلة بنهاية 2021، فيما تراجع عدد الباصات التي تم تحديثها العام الماضي بنسبة 23.4 % إلى 132 باصا من 172 باصا بنهاية العام 2021. من جهتها، أكدت وزيرة النقل الأسبق لينا شبيب أن الملكيات الجماعية (الشركات) أفضل من الملكية الفردية لضمان استمرارية خدمة النقل وجودتها، مشيرة إلى أن خط الباص تنتقل ملكيته الفردية في حالة الوفاة للورثة العديدين ما زاد من صعوبة تنظيم هذا القطاع، معربة عن أسفها لعدم بذل جهود حقيقية لتنظيم هذا القطاع على الرغم من أن أهم بنود القانون لعام 2017 نصت على تحويل الملكية الفردية الى جماعية من قبل الملاك الفرديين اما من خلال انشاء شركات مساهمة أو من خلال تشكيل شركات تقوم بتنظيم القطاع. وأشارت شبيب لمنح القانون مهلة لأصحاب الملكيات الفردية لتصويب أوضاعهم الا أنه "وللأسف مضت مهلة الخمس سنوات ولم يحدث أي شيء بهذا الخصوص على أرض الواقع ولم نتقدم أي خطوة في هذا الاتجاه". وأرجعت عدم التقدم لأسباب متعددة؛ منها عدم وجود نظام نقل ذكي يساعد في تنظيم القطاع وفي إجراءات تحويل الملكيات الفردية إلى جماعية وغياب المحفزات المناسبة "وقبل ذلك ليس المهم انشاء شركات بل وضع معايير الجودة وأسس تقديم الخدمة الذي يجب أن يتواكب مع عملية دمج الافراد من خلال الشركات". وأكدت أن انشاء شركات دون وجود معايير لجودة الخدمة يجعلنا لا نغادر المربع الأول "فعلينا تنظيم الخدمة ووضع معايير لها وأن نقدم حوافز وأن نفرض عقوبات في نفس الوقت في حال مخالفة معايير الخدمة ". وبينت شبيب فوائد تحويل الملكيات إلى شركات على المواطن باستمرارية الخدمة وضمان جودتها، مشيرة إلى صعوبة مراقبة مستوى الخدمة المقدمة وضمان رحلات منتظمة في ظل الملكيات الفردية. وقالت إن "المشكلة الأخرى عند وجود نحو 5 آلاف خط و7 آلاف مشغل صعوبة في إدارة قطاع النقل وتنظيمه فكل حافلة كأنها شركة ولها تصريح ومشغل وهذا يشكل عبئا كبيرا على هيئة تنظيم قطاع النقل البري والعبء ليس إداريا فقط بل بالمراقبة أيضا خصوصا مع غياب انظمة النقل الذكية التي تساعد في المتابعة والمراقبة للرحلات وطريقة الخدمة، فضلا عن أن النقل الفردي يؤدي إلى مشاكل أمنية ومشاكل سلامة مرورية وازدحامات". وزادت شبيب أن من المعيقات عدم وجود أنظمة النقل الذكية وهو مشروع متعثر، "وفي حال تنفيذه يسهل عملية المتابعة وتحصيل الأجور ويقلل كلف التشغيل ويوفر جدوى اقتصادية وطنية أفضل في حال الشركات". واعتبرت شبيب أن من المعيقات غياب الإرادة خصوصا أن ملف تحويل الملكيات الفردية إلى شركات ملف شائك وهناك صعوبة للخوض فيه "ومن اعتاد العمل والملكية كافراد من الصعب أن تدمجهم للعمل في شركات الا إذا قدمت لهم حوافز ولا يمكن أن تقدم الحكومة الحوافز الا إذا توفر نظام نقل ذكي يسهل عملية الدعم للقطاع ". ونبهت إلى عامل آخر هو صعوبة إجراءات نقل الملكية والتنازل والمخالصة في عملية نقل الملكيات، داعية الى تسهيل الإجراءات في دائرة مراقبة الشركات "ففي حال انشاء شركة هناك صعوبات في ظل وجود عدد كبير من المالكين وادارة المالكين الكبير في هذه الشركة وفي عملية التسجيل او التنازل أو الانسحاب والمخالصات ". ولخصت شبيب لمعيقات في غياب أنظمة نقل ذكي وعدم وجود معايير الجودة وصعوبة إجراءات مراقبة الشركات وغياب الإرادة وامكانيات توفر الأموال لتقديم الدعم للقطاع والقدرة على اقناع المشغلين بالتحول إلى شركات، والذي لا يمكن أن يتم دون تقديم حوافز مادية تشكل هذه الحوافز اعباء اقتصادية على الحكومة ولذلك تتردد الحكومة في الاقدام عليه واصدار الانظمة ذات الصلة وفق القانون "وللأسف لم يصدر أي نظام للآن ". وأكدت أن الارتقاء بقطاع النقل يقتضي الارتقاء بالعاملين فيه وتحسين ظروف العمل وتحديد ساعات العمل وشمولهم بالضمان الاجتماعي والتأمين الصحي، مشيرة إلى ساعات عمل طويلة خصوصا لمن يضمن الحافلة والتجاوز على حقوق العاملين "فساعات العمل المحددة تنعكس على الخدمة وسلامة الركاب وتخفيف أزمات السير وتنعكس على معايير وجودة الخدمة ". من جانبه، اعتبر وزير النقل السابق جميل مجاهد ان الملكية الفردية لوسائط النقل العام والتي تتجاوز 80 % من ملكية القطاع من أهم العوائق أمام وجود نقل عام منتظم وجيد في الأردن. وقال إن الملكية الفردية أدت إلى وجود العديد من المشاكل في خدمة النقل العام من أهمها: ضعف في مستوى الخدمة وعدم انتظام الخدمة وفق جداول زمنية وأوقات محددة مما جعلها ليست ذات اعتمادية، وغياب العمل المؤسسي لمالكي الوسائط، وصعوبة الرقابة على الأعداد الكبيرة من المالكين. ومن المشاكل التي تسببت بها الملكيات الفردية، وفق مجاهد، المنافسة غير المشروعة بين المشغلين. وتصرفات خاطئة من السائقين وتقديم الخدمات على الخطوط المربحة، وصعوبة تحديث وسائط النقل وضعف برامج الصيانة. وأكد انه لا يمكن لأي عملية إصلاح للنقل العام في الأردن ان تنجح دون معالجة وضع المشغلين الحاليين "وهنالك خياران أمام الجهات التنظيمية فإما اندماج المشغلين الفرديين العاملين على الخط الواحد أو المنطقة الواحدة بشركات أو مؤسسات تعاونية، أو أن يتم منح عطاءات جديدة لتشغيل الخطوط والمناطق لشركات جديدة وبالتالي الغاء واقصاء المشغلين الفرديين تدريجيا". وأشار مجاهد إلى أن قانون نقل الركاب الذي صدر في عام 2017 عالج مشكلة الملكية الفردية وأعطى المشغلين مهلة خمس سنوات لتوفيق أوضاعهم اما بتأسيس شركات مساهمة بين المالكين على الخط الواحد او ان يتم تأسيس شركة لإدارة وسائط النقل على الخط. "ولكن منذ صدور القانون لم يتم تنفيذ ما نص عليه". وشدد مجاهد أن معالجة مشكلة الملكية الفردية تكمن في تطبيق قانون نقل الركاب لعام2017 مع ضرورة اتخاذ إجراءات أخرى من قبل الحكومة ترافق تطبيق القانون ولتشجيع المشغلين الفرديين للاندماج ومن أهمها: تقديم الدعم المادي للمشغلين، تقديم الدعم الفني والتدريب اللازم على كيفية إدارة الشركات الجديدة، وإعطاء الشركات الجديدة أفضلية تشغيل الخطوط الجديدة أو تعزيز الخطوط القائمة، وتأمين الحماية الاجتماعية للسائقين والعاملين بهذه الشركات واشراكهم بالضمان الاجتماعي. ويرى مجاهد أن تنظيم عمل المشغلين الفرديين سيكون له تأثير كبير على مستوى خدمات النقل العام وبالتالي تشجيع المواطنين لاستخدام النقل العام بدلا من سياراتهم الخاصة وهذا سينعكس إيجابيا على الازدحام المروري. اما الاستشاري في مجال النقل والمرور حازم زريقات فيرى أن من الأهمية ضمان الحكومة لهامش ربح معقول للمشغل على غرار باص عمان لضمان استمرارية الخدمة وجودتها وانتظامها . وأكد أن هذا القطاع الذي يعاني من الشرذمة والضعف يحتاج الى وضع معايير وضوابط قانونية وتشريعية له لضمان جودة الخدمة دون التركيز على شكل تنظيم القطاع سواء من خلال شركات او تعاونيات ويسبق ذلك وجود شبكة نقل ذكية . ودعا زريقات الى تقديم حوافز مالية من اهمها تسهيلات بنكية واعفاءات جمركية وضمان هامش ربح معقول للمشغل من خلال دعم حكومي الى جانب المتابعة والمراقبة ووضع عقوبات لضمان انتظام الخدمة وجودتها. وشدد زريقات على أهمية أن يرافق عملية تحويل الملكية إلى شركات وضع ضوابط ومعايير الخدمة التي تتضمن القيادة الآمنة والتوقف عند كل محطة ووضع الحافلة الميكانيكي واجهزة السلامة فيها وصيانتها. وبين ان الملكيات الجماعية تسهم بحل الازمة المرورية ويمكن مستقبلا السماح للحافلات باستخدم مسارات الباص سريع التردد . وأشار إلى أن المعيقات تتمثل في نقص أدوات الرقابة التكنولوجية ( شبكة النقل الذكية) وأسباب مالية فالحكومة لا تستطيع تقديم الحوافز لتحويل الملكيات والدعم المالي للشركات .

اقرأ المزيد : 

اضافة اعلان