قانون ونظام الانتخاب (1 - 2)

بما أن «حرب» الانتخابات قد وضعت أوزارها، بعجرها وبجرها، وحلوها ومرها، فإنه ما يتوجب على الجميع الآن فعله، سواء حكومة أو أحزاب أو نقابات أو مؤسسات مجتمع مدني أو أفراد، هو النظر إلى الأمام، بعين المتفائل، والمضي قدما، بكل قوة وثقة، لما هو مقبل، وخصوصا فيما يتعلق بعملية الإصلاح السياسي، المرتبط ارتباطا وثيقا بقانون انتخاب عصري. منذ إغلاق صناديق الاقتراع، كان من الأفضل والأصح، إغلاق صفحة الماضي، والنظر إلى صفحة المستقبل، والتهيؤ لها، بكل ما لدينا من قوة وعلم.. فقد أثبتت الأيام والتاريخ والتجارب بأن ما يرشح عن الانتخابات بُعيد إغلاق «الصناديق»، يكون عبارة عن أفعال وصيحات وتصريحات، لا تسمن ولا تغني من جوع، فكل ذلك لم ولن يُغير ما نحن فيه، إذا لم يتم بالفعل شيء واقعي ملموس على أرض الواقع. إذا كُنا نُفكر بالتقدم والازدهار، في أكثر من منحى ومجال، وخصوصًا فيما يتعلق بالإصلاح السياسي، والذي يُعتبر حجر الرحى والأساس فيه هو قانون انتخاب، يضمن العدالة أولًا وأخيرًا، للجميع، فإنه يتوجب علينا حكومة وشعبًا تجاوز «الثغرات» في قانون الانتخاب الحالي، الذي لا يمت إلى الديمقراطية بصلة أبدًا، وذلك بُغية المضي قدمًا للوصول إلى حياة برلمانية، تضاهي أو تصل إلى مصاف الدول المتقدمة في ذلك. سأحاول جاهدًا، أن أتطرق إلى إشارات سبّبها قانون ونظام الانتخاب الحالي، الذي يتضمن الكثير من السلبيات والمثالب، ولا يشك أحد بأن فيه ظلما، لا بل أوقع ظلمًا كبيرًا، على كثير من المترشحين.. فكل مواطن يعرف مترشحًا يؤكد له بأن هذا القانون ظلمه، وسبب له أذى، إذ استطاع تحصيل أصوات انتخابية تُقدر بالآلاف، لكنه لم يستطع تحصيل مقعد برلماني.. وهذا مرده في الأساس إلى هذا القانون الذي يعتمد «القائمة»، وليست بقائمة نسبية أو مفتوحة على مستوى المملكة، أو حتى المحافظة. إن المواطن عندما يذهب إلى صندوق الاقتراع، يتوجب عليه أن يؤشر على قائمة معينة، ثم يختار مترشحا أو عدة مترشحين أو كل مترشحي القائمة.. وعلى هذا الأساس قد يحصل مترشح على أصوات انتخابية يصل عددها إلى الآلاف، إلا أنه لا يستطيع تحصيل مقعد تحت قبة البرلمان، بالمقابل يحصل مترشح آخر على أصوات انتخابية أقل من سابقه، لكنه يتحصل على مقعد نيابي، لسبب بسيط هو أن قائمته، حققت ما يُسمى النجاح، وبالتالي استطاعت تحصيل مقعد واحد، والقائمة الأخرى لم تستطع!. هذا أول وأهم سلبيات القانون الحالي، الذي يُسبب عدم عدالة للكثير من المترشحين.. ولا أبالغ عندما أقول بأن قانون انتخاب الصوت الواحد، رغم أن الكثير ضده، أفضل منه بكثير، فالناخب يذهب لصندوق الاقتراع، ولديه هدف يؤديه، على عكس القانون الحالي، الذي يجعل الناخب «الحليم» حيران، فقد يكون مقتنعا بأكثر من شخص لكفاءته وإخلاصه وحتى برنامجه، لكنهم موزعون على أكثر من قائمة، رغم أن دائرته الانتخابية تسمح له بانتخاب أربعة أو خمسة مترشحين، إلا أنه في هذه الحالة، لا يستطيع الإدلاء بصوته إلا للمترشح، الذي يقتنع به، في قائمة معينة.. وما يدل على صحة القول أنه في الانتخابات الأخيرة لم تستطع أي قائمة إنجاح أكثر من نائب، على مستوى دوائر المملكة الانتخابية الـ23. لتعزيز الحياة البرلمانية، التي هي بالأساس مرتبطة بالحياة السياسية، فإنه يتوجب، ليس فقط إجراء تعديل على قانون الانتخاب الحالي، الذي تم فرضه خلال الدورتين الانتخابيتين الماضيتين 2016 و2020، لا بل «خلعه» من جذروه، وإقرار أو خلق قانون انتخاب جديد، عصري، متقدم، يكون مناسبًا لدولة تحتفل بعد أشهر بالمئوية الثانية لتأسيسها، بعيدًا عن تخوفات أصبح لا طعم لها ولا رائحة، أو شعارات إعلامية، يُراد منها فقط، إلهاء شعب، بات يلهث وراء مجلس نواب، يعلم علم اليقين دوره التشريعي والرقابي، لا بل ويمارسه على الواقع، بلا مهادنة أو مجاملة أو خوف.. فالجميع يعلم بأن الوقت ليس بصالح أحد.اضافة اعلان