قبل الانزلاق لهاوية الاستقطاب الإقليمي

وصلت حدة الاستقطاب الإقليمي، بين محوري السعودية وإيران، إلى درجات خطيرة وغير مسبوقة في الأسابيع القليلة الأخيرة، تتويجا للاستقطاب المستعر بين المحورين منذ عدة سنوات، والذي تفاقم وترسخ مع اندلاع ما سمي "الربيع العربي"، وتحديدا مع أحداث البحرين وسورية، ولاحقا اليمن. اضافة اعلان
قراءة خريطة هذا الاستقطاب المحتدم على مختلف الجبهات، بما فيها الانحدار إلى مستنقع الاستقطاب الطائفي، الذي يهدد بمزيد من النيران الطائفية، ترسم صورة قاتمة للعلاقة العربية الإيرانية، وعلى الوضع الإقليمي، المشتعل والمتدهور أصلا، وتفتح الباب أمام المزيد من التدهور وحالة عدم الاستقرار، بل واستمرار شلالات الدماء المنهمرة في سورية والعراق واليمن، وربما ما هو أكثر من ذلك!
قد يكون الأخطر في هذه الحرب الاستقطابية بين المحورين، هو في عدم التردد باستخدام مختلف الأسلحة، بما فيها حروب الوكالة والإعلام والخطاب الديني، بنسخته المشوهة والتفتيتية، وبما يصب بالمحصلة، كما تظهر كل الشواهد، في غير مصلحة الطرفين ولا مصلحة المنطقة أو شعوبها، وبما يهدد بامتداد الآثار السلبية لهذا الاستقطاب إلى ما بعد مرحلة انتهاء الأزمات المشتعلة اليوم.
الخوض في أسباب وملابسات اشتعال هذا الاستقطاب والتأسيس للأزمة المشتعلة بين المحورين يطول ويتشعب، ويتحمل الطرفان والعديد من سياساتهما عبر العقدين الماضيين مسؤولية انفجار الصراع والاستقطاب بأبشع صوره اليوم. إلا أن السؤال اليوم هو كيف يمكن للمنطقة والطرفين الخروج من دائرة الاستقطاب الخطيرة التي تهدد بمزيد من عدم الاستقرار في المنطقة وتضر بمصالح الشعبين العربي والإيراني.
ما يلاحظ اليوم هو لجوء المحورين إلى مزيد من التصعيد والاستفزازات المتبادلة، واختيار طريق الصدام والتحشيد والاستقطاب الطائفي والسياسي والإقليمي، بل وتهديد فرص حل بعض الأزمات الإقليمية المشتعلة، والتي تغذت بقوة هذا الاستقطاب، كما مع الأزمتين اليمنية والسورية.    
الخيار البديل للواقع الصراعي الحالي، وحرب التصعيد بين الطرفين، هو اللجوء إلى خيار الحوار الاستراتيجي بين المحورين، والذي قد يبدو، للوهلة الأولى، مستحيلا أو صعبا جدا، في ظل حالة الاستقطاب الشديد، وما وصلته الأزمة من مديات بين الطرفين، إلا أن التمعن الحقيقي بالخيارات المطروحة اليوم لمستقبل الصراع بين المحورين، وفق النسق القائم حاليا، يرسم صورة أكثر قتامة، ولا يصب، بمطلق الأحوال، في مصلحة أي من الطرفين ولا مصلحة المنطقة، ما لا يدع مجالا آخر إلا الذهاب إلى حوار استراتيجي، عربي إيراني، على غرار الحوار الاستراتيجي الذي جرى بين إيران والولايات المتحدة والدول الكبرى.
لم تكن الخلافات والصراعات بين أميركا والغرب مع إيران بأقل حدة وتعقيدا من الخلافات والصراعات القائمة بين العرب وإيران حاليا. ووصلت الخلافات بين الغرب وإيران إلى مرحلة الوقوف على شفا حرب عسكرية شاملة، قبل أن تدخل دبلوماسية الحوار والبحث عن توافقات ونزع لفتيل الأزمات، على الخط، وتتوج بتوقيع الاتفاق التاريخي بين الدول الكبرى وإيران قبل أشهر.
لا خيار أمام الطرفين إلا الذهاب إلى مائدة حوار استراتيجي، يعيد ترسيم نقاط الخلاف والصراع، ويبحث في المشترك بين الطرفين، وهو كثير، والسعي إلى تفكيك هذه الخلافات ونقاط الاشتباك لما فيه مصلحة الجميع. بديل ذلك هو الانزلاق أكثر في أتون الاستقطاب والصراعات، والمزيد من الخسارات والأحقاد والدماء.. وربما ما هو أكثر من ذلك!