قبل وقوع الفأس في الرأس

جهاد المنسي من يطالع مواقع التواصل الاجتماعي بكل اشكالها، ويقرأ تعليقات الناس والمتابعين على الصفحات والمنتديات يعرف تماما ان كرة القدم في بلادنا لم تعد أبدا لعبة شعبية للتسلية والترفيه والمنافسة الشريفة، وان الأمور باتت اخطر بكثير مما يعتقده البعض حتى انها وصلت لضرب النسيج الاجتماعي واللحمة الوطنية، ومن يقرأ التعليقات يعرف ذلك ويستشعره. وقبل ان يقفر بوجهي من يقلل من حدة المشكلة باعتبار ان من يقوم بذلك فئة قليلة لا يجوز التوقف عندها كثيرا، وان لحمتنا الوطنية ونسيجنا اعمق من زعزعته من خلال صفحات لهذا الطرف او ذاك، فانه من الواجب القول لأولئك ان مواصلة امساك العصا من المنتصف ودفن الرؤوس في الرمال، واشاحة الوجه عن رؤية ما يتوجب رؤيته لا يساهم في حل المشكلة او تخفيف حدة التوتر فيها، فعندما تخرج تقارير امنية تنصح بإقامة مباراة كرة قدم عادية بين فريقين بدون جمهور ويستجيب اتحاد كرة القدم لذلك، فان ذاك بحد ذاته يعني ان هناك زاوية يجب التوقف عندها، وان الأجهزة الأمنية لمست تحركات سلبية دفعتها للتوصية بإقامة مباراة دون جمهور، والمؤسف ان تصل الأمور في المباريات لاعتداءات على المواطنين كما حصل قبل أسبوع وفقدان طفل كما حصل ليلة الجمعة الماضية نتيجة التعصب الاعمى لهذا الطرف او ذاك. صحيح ان في كرة القدم يحصل الكثير، وفي ملاعب العالم تحدث مناوشات بين جماهير الفرق المتنافسة، بيد ان الجزء الذي علينا رؤيته بوضوح هو انعكاس المباريات علينا، ورؤية ما يجري عبر صفحات تابعة لهذا الفريق او ذاك، فما يكتب هو الأخطر والاسوأ والأكثر وضوحا وهو الذي يدلل على وجود نفوس مريضة يلعبون في النار، وخفافيش تحاول اللعب في المناطق المظلمة وتعتمد كرة القدم وسيلة لتحقيق أهدافها وغاياتها. كل ذاك يدفعنا لتناول ما يجري والتحذير منه والطلب من الجميع التعامل معه بروح الدولة وسيادة القانون، ووضع حد نهائي لأولئك الخفافيش الذين يستخدمون التواصل الاجتماعي لتحقيق أهدافهم، ولذا فإن البقاء في المنطقة الرمادية دون معالجة الداء واصله، من شانه مواصلة صب الزيت على النار ونخر نسيجنا الاجتماعي ووحدتنا الوطنية، فالوحدات ابدا ليس عنوانا للقضية، والفيصلي ابدا ليس عنوانا للوطن، وانما هما فريقان عاديان في كرة القدم لا يختلفان ابدا عن فرق الرمثا والحسين والأهلي والبقعة والجزيرة ومعان ومغير السرحان وسحاب والسلط وغيرها من الفرق الأردنية، وان من حق جماهير تلك الأندية التمتع بكرة القدم والمنافسة فيها ومساندة فرقها دون الدخول في متاهات سياسية وتلميحات إقليمية او جهوية او شعارات عنصرية. القصة لا تقف عند شجب ما يجري، والادلاء بتصريحات ترفض ما يقوم به هذا الطرف او ذاك، وانما نحتاج لمعالجة جذرية لأصل المشكلة، وهذا لا يأتي كما يتحدث البعض من خلال حل ناديي الوحدات والفيصلي مثلا، وانما من خلال تطبيق قوانين كرة القدم بشكل حاسم على الجميع دون استثناء ومعاملة الأندية الكبيرة كما تتم معاملة باقي الأندية وعدم التفكير في عواقب أي قرار قانوني يمكن اتخاذه سواء من السلطة التنفيذية او من اتحاد كرة القدم. نعم أيها السادة، على الدولة فرض سيادتها ووقف كل من يتطاول على وحدتنا الوطنية وتطبيق القانون على الجميع بلا استثناء، وعدم جعلنا في كل مباراة لكرة القدم بين الفيصلي والوحدات نضع أيدينا على قلوبنا خوفا من افرازات تلك المباراة وعواقبها، وجعلنا نتمتع بكرة القدم باعتبارها لعبة شعبية للمتعة فقط وليست ميدانا للمناوشات السياسية والافرازات الإقليمية التي نراها عبر مواقع التواصل الاجتماعي. أيها السادة، اتركوا المنطقة الرمادية التي سكنتم فيها طويلا، وضعوا حدا وفق القانون والأنظمة لأي تطاول، ولا تدفنوا الرأس في الرمال قبل ان يقع الفأس في الرأس ويصبح ما نراه من شتائم وتطاولات عبر صفحات التواصل الاجتماعي حقيقة أوضح وواقع أقسى يتعذر معالجته بسهولة. المقال السابق للكاتب للمزيد من مقالات الكاتب انقر هنااضافة اعلان