قدرة القاعدة على إنتاج القيادات: العولقي والقرعاوي مثالاً

في رمضان العام 2001، وبعد شهرين من أحداث الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، أجرت صحيفة الـ "واشنطن بوست" المرموقة، مقابلة مع أحد رجال الدين المسلمين الأميركيين، ليسأله القرّاء، وعبر الإنترنت، حول طقوس رمضان الدينية، وأسئلة عن الإسلام عموماً، في ظل حال التوتر الذي قام منذ تلك الفترة في الغرب تجاه الإسلام والمسلمين. شيخ الدين استفاض في المقابلة المطولة بالإجابة عن الأسئلة، وأشار فيما أشار إلى عدم تأييده لمنفذي هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر)، داعياً "الأصدقاء من غير المسلمين المسيحيين واليهود" إلى مزيد من التفاهم المتبادل، ومنوهاً إلى أن طالبان لا يجوز لها فرض "البرقع" على النساء.

اضافة اعلان

رجل الدين، أو الداعية هذا هو اليمني الأصل والأميركي الجنسية أنور العولقي الذي اتهم بعد سنوات تسع من تلك المقابلة بأنه وراء "تحريض" كل من مالك نضال حسن الرائد في الجيش الأميركي والذي أطلق النار على زملائه في قاعدة فورت هود العسكرية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2009، وقتل نحو 13 من زملائه، وكذلك النيجيري عمر الفاروق عبدالمطلب الذي حاول تنفيذ عملية انتحارية على طائرة متوجهة من امستردام إلى ديترويت يوم عيد الميلاد السنة الماضية. وعلاوة على ذلك فقد صدر منذ أيام شريط مرئي عن "القاعدة جنوب الجزيرة العربية"، وقد ظهر فيه أنور العولقي كـ "قيادي في تنظيم القاعدة"، وهو لأول مرة يظهر في إصدارات القاعدة بشكل رسمي. كما كشفت صحيفة الـ "صاندي تلغراف" البريطانية عن أن الولايات المتحدة الأميركية بدأت تنشر طائرات من دون طيار مزودة بصواريخ لاستهداف العولقي، بعد ورود تقارير عن علاقته باستهداف السفير البريطاني الأسبوع الماضي. وأشارت الـ "تلغراف" إلى أن الرئيس الأميركي أصدر أمراً الشهر الماضي بالموافقة على اغتيال العولقي.

يلاحظ أن العولقي، تحول من شيخ "معتدل" إلى "قيادي في تنظيم القاعدة"، تسعى دولة عظمى إلى مطاردته. حكاية تحكي في جزء منها التحولات في قدرة القاعدة على إعادة إنتاج القيادات، وإن كانت فترة التسع سنوات كافية، نسبياً، لمثل هذا التحول، فإن في هذا السياق، هناك نموذج آخر لمثل هذا التحول، صالح القرعاوي المطلوب رقم 34 في قائمة الـ 85 المطلوبين للحكومة السعودية، والتي أعلنت القائمة في شباط (فبراير) عام 2009.

التقارير تشير إلى أن القرعاوي، وعند حدوث هجمات الحادي عشر من أيلول (سبتمبر) 2001، كان شاباً غير متدين، ومنذ ذلك الحين، بدأت نزعة التدين تتزايد لديه حتى بات عام 2003 متابعاً للمحاضرات الدينية، ومن ثم انخرط في توزيع مجلة "صوت الجهاد" لسان حال القاعدة في السعودية خلال فترة مواجهاته مع السلطات هناك، ومن هناك حاول الخروج إلى العراق، واعتقل في سورية، وأعيد للسعودية، وبعد خروجه سافر، للعراق، وشارك في معارك الفلوجة، وبات مقرباً من قائد القاعدة السابق أبو مصعب الزرقاوي، ومسؤولاً عن تهريب المقاتلين للعراق، والتنسيق بين المقاتلين بين العراق ولبنان، حسب المصادر السعودية، التي أشارت إلى أنه تلقى تدريبات على التفجير الإلكتروني، ومنذ العام 2006 نشط من إيران. وأيضاً تضيف التقارير إلى أن للقرعاوي 14 اسماً حركياً، وأنه يتخفى بشكل محترف، ولذا نشرت له ثلاث صور شخصية بفوارق واضحة.

الكثير من هذه المعلومات أكدها القرعاوي نفسه، في مقابلة نشرت على المواقع الإلكترونية الجهادية مؤخراً، وقد استفاض فيها بالحديث عن لبنان وعن بلاد الشام، بشكل يدلل على تعبير القرعاوي عن التيار السلفي-الجهادي، الذي يوصف بـ "الزرقاويون-الجدد"، الذين يولون أولوية للنشاط في بلاد الشام. ومن الملفت للنظر أن يتحول القرعاوي في غضون ثلاث سنوات، من شاب عادي إلى قائد إقليمي للقاعدة كمنظمة ممتدة، وهي "ترقية" لن يحظى بها موظف بأي منظمة أخرى إن استخدمنا مصطلحات المؤسسات والإدارة، مع فارق التشبيه بطبيعة الحال.

هذان النموذجان، وغيرهما يدللان، على أن خطاب القاعدة، وعلى الرغم من كل ما يقال عكس ذلك، ما زال جذاباً، وقادرا على إنتاج قيادات، أكثر من غيرها من منظمات سياسية، وحركات اجتماعية، ولكن السؤال الأهم الذي لا يسأله أحد: ما هي الظروف التي لم تبق العولقي "شيخاً معتدلاً" ولا القرعاوي "شاباً عادياً"؟!