قذارة القرن

كتب الصحفي المعروف توماس فريدمان في مطلع زاويته في نيويورك تايمز أمس أنه "بالنظر إلى توقيت إطلاق خطة الرئيس ترامب للسلام في الشرق الأوسط يجب أن أبدأ بالسؤال: هل هذه الخطة تتعلق بدولتين لشعبين أم مناورة مشتركة لقائدين قذرين؟!اضافة اعلان
يجب أن نضيف ليس التوقيت فقط بل الإخراج !؟ شيء لم يحدث في التاريخ أن يُقدم عرض لتسوية نزاع تاريخي بين طرفين هكذا! لقد بدا المؤتمر الصحفي حفل تهريج ومستفزا تبادل فيه ترامب ونتنياهو المديح والتبجح والتصفيق محتفلين كأنهما يعرضان صفقة تجارية عظيمة بين شركتيهما.
يقول د. صائب عريقات ان الخطة هي ما سمعه من نتنياهو حرفيا قبل عامين. أما بالنظر لوجود خرائط مفصلة لتوزيع المناطق مع الطرق والجسور والانفاق فلا بد ان جاريد كوشنر وفريقه اليهودي الأميركي بذلوا ايضا بعض الجهد واشتغلوا على التفاصيل، وعلى الأرجح فالمفاوضات كانت تجري هكذا: يقول كوشنر هيا بيبي اترك لهم كيلومترا اضافيا هنا للتواصل مع قريتهم هناك! غير ممكن ابدا؟! طيب اذن لنفتح لهم طريقا التفافيا وراء المستوطنة. هكذا تم تطريز الخريطة العجيبة للدولة الفلسطينية كأنها عشرات الجزر الصغيرة في ارخبيل الكاريبي (خريطة ترامب تظلل زورا مقاطع تفصل الجزر). وقد التقى نتنياهو في واشنطن ممثلي مجالس المستوطنات الغاضبين لورود ذكر "الدولة الفلسطينية" في الصفقة فقال ساخرا: هل ترون هذه دولة؟! فليسمونها ما شاؤوا.. امبراطورية!
الصفقة هي جهد المجموعة المحيطة بترامب والموالية بتطرف للرؤية الصهيونية اليمينية لأرض اسرائيل الكاملة وقررت استثمار وجوده في الرئاسة من اجل فرض وقائع جديدة نهائية في الصراع وقد بدأت بالاعتراف بضم الجولان ونقل السفارة وتنتهي الآن بالموافقة على ضم غور الاردن وشمال البحر الميت وكما قال نتنياهو تثبيت حدود اسرائيل الشرقية من طبريا الى ايلات مرة والى الابد والأمر في الجوهر هو ضم الضفة الغربية كلها باستثناء السكان تحت غطاء عرض السلام حيث يبقى السكان في المدن والقرى التي يقطنونها خارج المواطنة الاسرائيلية وتوفيرهم كمواطنين للدولة الفلسطينية القادمة. ومن الطريف ان الصفقة تعرض في احد بنودها تخلي اسرائيل عن مناطق كثافة سكانية عربية (قرى المثلث ام الفحم والطيبة وعرابة وغيرها) والحاقها بالدولة الفلسطينية !
الصفقة ساقطة سلفا ولا تصلح اساسا لمشروع سلام لكنها تصلح لكي تشرع معها الحكومة الاسرائيلية فورا ورسميا بضم ما يزيد على ثلث الضفة الغربية لإسرائيل، وقد صرح بومبيو وزير الخارجية الأميركي أن اسرائيل تستطيع ان تفعل ذلك الآن. هكذا تتلاقى القذارة في السياسات والمصالح بين نتنياهو وترامب على حساب الحق والعدالة، فماذا يريد الأول اعظم من هذا الانجاز لكسب الناخبين ودحر احتمال سجنه بتهم النصب والفساد. وماذا يريد الثاني أكثر من رفع مكانته وتجديد الثقة به من الايباك والانجيليين اليمينيين المتشددين ومواجهة محاكمة عزله الجارية الآن.
ردود الفعل شديدة السلبية بدأت داخل أميركا نفسها من الديمقراطيين في مجلسي الشيوخ والنواب. ففي تغريدة على تويتر اعتبر السيناتور الديمقراطي بيرني ساندرز أحد منافسي ترامب للانتخابات المقبلة أن "الخطة غير مقبولة ولا تؤدي سوى إلى استمرار الصراع"، وقال السيناتور الديمقراطي كريس ميرفي "هذه ليست خطة للسلام إطلاقًا" بل "خدعة سياسية" وقالت السيناتور الديمقراطية إليزابيث وارن "إن الخطة ليست إلا تثبيتًا لضم الضفة الغربية ولا توفر أي فرصة لدولة فلسطينية حقيقية" ووصف السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن الصفقة بأنها كارثة القرن ولن تؤدي سوى إلى مزيد من الانقسام والصراع "