قراءة في التعديل الوزاري... عـُمر جديد وفرصة أخيرة!

استطاع رئيس الوزراء هاني الملقي نزع صاعق الانفجار في حكومته في اللحظات الأخيرة بعد أن نجح في إجراء تعديل وزاري اعتبر خطوة موفقة بعد أن أبعد ما أطلق عليهم وزراء "التأزيم". اضافة اعلان
وقفز الرئيس الملقي مرة أخرى إلى بر الأمان بعد أن خرج من عنق الزجاجة بإقرار الموازنة، لكنها أحرجته شعبياً بعد مطالبات الحكومة برفع أسعار سلع وإقرار مزيد من الضرائب.
وبجردة حساب للتعديل الوزاري يمكن القول بأن الرئيس الملقي تخلص مرة واحدة من كل نوابه الذين تحولوا باعتقاده إلى عبء عليه، بدءاً من وزير التربية محمد الذنيبات، مروراً بنائبه الوزير جواد العناني الحاضر الغائب، وانتهاء بوزير الخارجية ناصر جودة العابر للحكومات، ويضاف إليهم الوزير المثير للجدل سلامة حماد، وربما يكون الأخير بشخصيته المعتدّة بنفسها حمل وسـُيحمّل مع مدير الأمن العام السابق الأخطاء الأمنية خلال عملية الكرك الإرهابية.
لسنا في صدد تقييم الوزراء الذين خرجوا من الحكومة، ولكن الإنصاف يقتضي القول بأنهم عملوا وقدّموا، وربما من الواجب الإشارة للوزير السابق رامي وريكات الذي ظل طوال أشهر وجوده بوزارة الشباب في الميدان مبادراً ومقدماً لرؤى وتصورات جديدة.
التعديل الجديد حاصلُ توافقٍ بين رئيس الوزراء والديوان الملكي والمخابرات، وبصمة الرئيس الملقي حاضرة أكثر هذه المرة من التشكيل الماضي، ولا يمكن أن يتذرع بعد الآن بأن هناك وزراء فرضوا عليه.
أول من يستحق أن نتحدث عنهم في التعديل الوزاري هو دخول الدكتور ممدوح العبادي السياسي والنقابي المخضرم للحكومة، وسيلعب دوراً رئيسياً في نزع فتيل الأزمات بين الحكومة والنواب والنقابات ومؤسسات المجتمع المدني بما يملكه من حنكة وقدرة على المناورة، وسيعطي للحكومة وجهاً شعبياً.  العبادي غاب عن العمل الحكومي منذ عام 1992 بحكومة طاهر المصري، وأعاد لموقع أمين عمان بعد ذلك حتى عام 1999 بريقاً بالقدرة على الإنجاز، وهو يعود اليوم بمكانة النائب الأول لرئيس الحكومة ومطلوب منه أن يقود المطبخ السياسي، وباعتقادي أن العبادي الذي وصفته يوماً بـ "الجوكر" قادر على التعامل مع الجميع، فهو مقبول من الليبراليين ومن المحافظين، ويستطيع التعامل مع البيروقراطية في الدولة ومع أجهزتها الأمنية بتوازن وبقدر كبير من الحكمة.
ولا يقل أهمية عن اختيار ممدوح العبادي تقلد أيمن الصفدي لمهام وزارة الخارجية بعد ما يقارب العقد من الزمان برئاسة ناصر جودة، ومن هنا كان أول تحد دخوله وزارة  تعودت على سياسة وشخصية وزير تسع سنوات.
يملك الصفدي مهارات وطلاقة حديث وقدرة عن التعبير عن نفسه وعن مواقف الدولة الأردنية، ويعرف ويفهم بشكل واضح رؤية الملك، ويدرك أن السياسة الخارجية لا تقاد من وزارته وحدها، بل الدور الأكبر للملك، وعليه أن يجد المساحة التي تتيح له التحرك وترك أثر واضح خاصة في ظل ظروف دولية صعبة بعد قدوم الرئيس ترامب، وانقسام عربي واستمرار الحرائق والأزمات حول الأردن.
مهمة الصفدي ليست سهلة وتتقاطع أيضاً مع مهمة وزير التخطيط والتعاون الدولي في تعظيم وزيادة المساعدات الاقتصادية سواء مع أميركا والأوروبيين ودول الخليج الذين لم يجددوا حتى الآن المنحة الخليجية.
اللافت في التعديل الوزاري وحظي بترحيب كبير هو اختيار عمر الرزاز لوزارة التربية والتعليم، وهي رسالة واضحة بضرورة المضي بإصلاحات جذرية بهذه الوزارة الأساسية والكبيرة.
مهمة الرزاز هي الأصعب فتحقيق الأثر بالتربية والتعليم يحتاج إلى عقود وليس سنوات، وإن كان الوزير السابق الذنيبات قد واجه عاصفة لإعادة الهيبة لمكانة الوزارة التي تعرضت للتنمر ومواجهة المافيات وأصحاب المصالح، فماذا سيكون بانتظار الرزاز المطالب بتغيير "منظومة التعليم" والاستغناء عن طرق التلقين وبناء عقل نقدي وبحثي عند الطلبة؟
لا يحسد الرزاز على المهمة التي كلف بالتصدي لها بوزارة ممتدة، والبيروقراطية  تجذرت فيها، والتغيير يحتاج قدرات فنية وإدارية ومالية وإرادة سياسية من قبل.
حين دقّقت بوضع الرزاز تذكرت الوزير خالد طوقان والصعوبات التي واجهها حين قرر إدخال "الكمبيوتر" للمدارس، وياليت الوزير الرزاز يستمع له، فتجربته مفيدة.
أما وزير الداخلية الجديد الباشا غالب الزعبي فما يميزه أنه تصالحي، لا خلافات عنده مع النواب أو أصحاب القرار، وفي ذات الوقت لديه خلفية أمنية ومعرفة بالعمل العام نائباً ووزيراً سابقاً، وإن كان أقرب للمحافظين فإنه منفتح على آراء الآخرين، ولا يهوى سياسة "كسر العظم"، ولا يتعنت برأيه، وهذا سيسهل علاقته بالأطراف التي تدير الملف الأمني في الأردن. التعديل الوزاري الجديد أعطى لحكومة الملقي عمرا جديداً وقوة وربما تكون فرصته الأخيرة لإثبات رؤية مختلفة.