قراءة في فكر رشيد رضا ومجلته "المنار"

 عمان- الغد- يستند الباحث أحمد صلاح الملا في كتابه "جذور الأصولية الاسلامية في مصر المعاصرة" الصادر عن دار الكتب القومية، 2008 الى إسهامات المفكر الشيخ محمد رشيد رضا ومجلته "المنار" في تكريس تيار الفكر السلفي بعيداً عن التوفيقية الموضوعية التي دعا إليها الامام محمد عبده، من خلال دوره الفذ في حركة الاصلاح الاسلامي وضرورة توافقها مع طبيعة المدنية الحديثة في أواخر القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين.

اضافة اعلان

صدرت مجلة "المنار" في الفترة الواقعة بين العام 1898 والعام 1935، وما لبثت أن توقفت عن الصدور بوفاة الشيخ رشيد رضا. واللافت في هذا السياق، وفقاً للكتاب، ان هذا التيار السلفي الجديد خرج من عباءة حركة التجديد الاسلامي التي حمل لواءها ودعا إليها جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده من بعده. والأرجح أنه كان لهذا التيار فكره السياسي الاجتماعي الخاص به، من خلال اضطلاعه بمناقشة العديد من القضايا الهامة وسط التجاذب السياسي الفكري العنيف في تلك الأثناء. من بينها تلك التي كانت تتناول علاقة الدين بالدولة، إضافة الى مسألة الديمقراطية والخلافة الاسلامية وتعليم المرأة والجدال العميق حول الحجاب، وكذلك التعليم الديني وعلاقته بمبادئ التعليم الحديث، ورؤية هذا التيار الى تجليات الحداثة وما أسفرت عنه من مفاهيم جديدة سياسية واجتماعية وتربوية في سائر المجالات.

في هذا الاطار، يسعى الكاتب، في دراسته هذه، الى إدراج فكر الشيخ رشيد رضا، وتحديداً ما كان ينشره في مجلة "المنار" في خانة ما يعتبره رد فعل دفاعياً حيال مقولة التهديد الغربي الذي كان اجتاح مصر والمنطقة بدءاً من الغزو الفرنسي لمصر في نهاية القرن الثامن عشر. ويشير المؤلف، انطلاقاً من هذا التصوّر، الى قيام هذه المدرسة الفكرية، إذا جاز التعبير، بتولي عبء الدفاع عن أسس المجتمع التقليدي في مواجهة المخاطر التي بدت غامضة، في تلك الأثناء، وما تفرع منها من تيارات وافدة لم تكن لتشكل طمأنينة لدى عامة الناس.

ومع ذلك، يستنتج الكاتب بأن المحتوى التوفيقي لمجلة "المنار" وسط هذا التجاذب القوي بين الفكر التقليدي السائد ونظيره الوافد بحكم تغير الظروف السياسية والاجتماعية، بدا هشاً لا يستند الى مرتكزات نظرية قوية، كما لم يكن بمقدوره أن يتقدم على منظومة الأفكار الأخرى التي راحت تجد صدى عميقاً وواسعاً لدى معظم طبقات المجتمع المصري. دليل المؤلف على ذلك، ان "المنار" لم تتردد في قبول الجوانب العلمية والتقنية للحداثة باعتبارها من أسباب القوة والصمود من شأنها أن تفيد المسلمين في صراعهم الطويل مع الغرب. غير أنها رفضت، من ناحية أخرى، منظومة الأفكار والقيم الاجتماعية والسياسية التي طرحها الغرب الذي أنتج هو نفسه هذه التقنيات.

يناقش المؤلف ان "المنار" رفضت من هذا المنطلق سيادة الأمة التي يقوم عليها جوهر فكرة الديموقراطية. كما رفضت الدولة المدنية الحديثة وفقاً للطرح الهام الذي وضعه عدد من المفكرين والمصلحين المصريين في تلك الأثناء. ودافعت كذلك عن الخلافة كفكرة سياسية ونظام في الحكم. وأبقت على نظرتها التقليدية الى المرأة التي ظلت تدور في فلك التفسيرات الفقهية الكلاسيكية. وتناولت، في الآن عينه، أشكال التعليم الحديث في مقابل دفاعها عن التعليم الديني في شكله التقليدي المتداول.