قراءة في نسبة الدين العام على الناتج المحلي الإجمالي

دنانير دينار منح قروض
دنانير دينار منح قروض

فواز يوسف غانم*

فرضت جائحة كورونا تحديات عديدة على اقتصادات الدول ونظم الإدارة المالية العامة، حيث تواجه حكومات العالم كافة معضلة في العثورعلى موارد إضافية لمواجهة الإنفاق المتزايد على حزم الحوافز الصحية والمالية.

وفي الوقت نفسه، يتناقص تحصيل الإيرادات أو يتأخر مع بدء الركود في الاقتصادات المحلية. وفي المستقبل القريب، ستكون "إدارة السيولة العامة" حاسمة لتمكين الحكومات من الوفاء بالتزاماتها.

أدت الجائحة لارتفاع كبير في مستويات الديون الحكومية للدول المتقدمة والنامية، والتي تقاس عادة كنسبة مئوية بقسمة الدين العام (دين داخلي وخارجي) إلى الناتج المحلي الإجمالي(Total Debt/GDP %) والتي تعتبر مؤشر رئيسي لاستدامة التمويل الحكومي للدولة والذي يعكس بشكل أساسي تأثير "العجز الحكومي" المتراكم على مدى سنوات ومقارنته مع نسبة نمو الاقتصاد بشكل عام.

وقد قرأنا في الاسبوع الماضي بحسب بيانات وزارة المالية عن ارتفاع الدين العام للمملكة إلى حوالي 99.8% من الناتج المحلي الاجمالي حتى نهاية آذار2020، حيث بلغ إجمالي الدين العام وفقاً للنشرة المالية الحكومية العامة حوالي 30.829 مليار دينار، وهو بالتاكيد الرقم الاعلى في تاريخ المملكة.

كما أوضحت النشرة المالية الأخيرة بأن "الدين الخارجي" للمملكة (وهو المعرف ب "الدين العام الواجب تسديده بغير الدينار الأردني") وصلت نسبته الى 40.4%من الناتج المحلي الإجمالي وبواقع12.489 مليار دينار أردني.

لايمكن لأحد أن ينكر بأن هذه النسبة مرتفعة بكافة المقاييس وهي مؤشر سلبي على أداء الاقتصاد الأردني خلال السنوات الماضية والتي لم تتمكن الحكومات المتعاقبة من السيطرة على معدلات الدين العام التي ارتفعت بشكل واضح نتيجة استمرارالحكومات بسياسات الاقتراض (من الداخل والخارج) من أجل تمويل عجز الموازنة العامة وسداد القروض والفوائد المستحقة عليها.

كما أن إرتفاع المديونية إلى هذه المستويات يعني حتماًإستمرار تفاقم عجز الموازنة العامة بحكم الزيادة التي تطرأ تلقائياً على فوائد القروض والأقساط التي يتوجب على الأردن سدادها في كل عام، إضافة إلى اعتماد الإيرادات المحلية بشكل كبيرعلى الضرائب والرسوم التي تُجبى من الشركات والمواطنين، وليس من خلال استقطاب مزيد من الاستثمارات وتعظيم العوائد من الموارد الاقتصادية الأُخرى.

والاسئلة الذي تطرح نفسها في هذه الظروف هي: ما أهمية ومدلولات إرتفاع الدين العام لأي دولة بالنسبة للناتج المحلي الاجمالي؟ وهل قوة وحجم اقتصاد الدولة له علاقة بنسبة خطورة هذا الارتفاع؟ وهل يشكل ارتفاع الدين اي خطرعلى العملة المحلية؟ واخيراً، اين يقع الاردن مقارنة بدول العالم من ناحية نسبة الدين الى الناتج المحلي الإجماليوهل يوجد فعلاً "نقطة التحول" (Tipping Point) عند وصول النسبة الى 100 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي؟

الاردن بالتاكيد ليس بمعزل عما يحصل في العالم من مبدأإرتفاع العجز الحكومي أو الزيادة في إجمالي الدين العام، ويبدو أن كل شخص في العالم بغض النظر عن حجم أو قوة الاقتصاد، يتحمل المزيد من الديون في كل ثانية حيث إرتفعت "الديون السيادية" لكافة دول العالم بسبب وباء الكورونا والذي منذ تفشيه لا يزال يعبث في الاقتصاد العالمي دماراً حتى أصابه بالشلل.

فقد عرقل الوباء الإنتاج والإمداد والنقل الجوي عبر العالم، وأضعف الطلب العالمي، وعزل دولً ووضعها تحت الحجر الصحي، وأخرى تحت حظر التجول، وأصاب قطاعات المال والطيران والنقل والسياحة بخسائر فادحة.

إن فكرة "ساعة الدين" مألوفة لأي شخص ذهب إلى تايمز سكوير في نيويورك، حيث يتم الكشف عن الدين العام الأمريكي كل ثانية، والذي إرتفع مؤخراً الى حوالي 24 تريليون دولار والذي يشكل 110 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

وتشير التوقعات إلى أن الدين العام الأمريكي سيستمر في النمو كنسبة من الناتج المحلي الإجمالي بعد ذلك مباشرة.

أما بالنظر الى إجمالي الدين العام في نادي البلدان الغنية بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، فمن المتوقع أن يتحمل أعضاؤه ما لا يقل عن 17 تريليون دولار من الدين العام الإضافي نتيجة للأزمة، مما سيزيد متوسط الالتزامات المالية في هذه الدول من 109 إلى 137 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي.

أما بالنسبة الى دول الاتحاد الاوروبي (EU)، حذر البنك المركزي الأوروبي(ECB) مؤخراً من أن إرتفاع مستويات الديون الحكومية يهدد بجعل المستثمرين يعيدون تقييم المخاطر السيادية الأوروبية ويمكن أن "يعيدوا إشعال الضغوط" على البلدان الأكثر ضعفاً في المنطقة وحيث من المتوقع أن ترتفع الديون الحكومية الإجمالية لدول الاتحاد الاوروبي من 86.0 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي إلى ما يزيد عن 100.0 في المائة.

وقال البنك المركزي الأوروبي إن الدين العام سيقترب من 200 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي في اليونان و160.0 في المائة في إيطاليا، وسيصل إلى130.0 في المائة في البرتغال وأقل بقليل من 120.0 في المائة في فرنسا وإسبانيا، مضيفاً بأن هذه الزيادة يمكن أن تؤدي إلى إعادة تقييم المخاطر السيادية من قبل المشاركين في السوق وإعادة الضغوط على الدول الأكثر ضعفاً.

من المثير للانتباه، وجدت دراسة أجراها البنك الدولي(World Bank) أنه إذا تجاوزت نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي عن 77.0 في المائة لفترة طويلة من الزمن، فإنها تبطئ النمو الاقتصادي وحيث كل نقطة مئوية من الدين فوق هذا المستوى تكلف البلاد 1.7 في المائة في النمو الاقتصادي.

بل إنه أسوأ للأسواق الناشئة مثل الاردن حيث تعمل كل نقطة مئوية إضافية من الدين الحكومي فوق 64.0 في المائة على إبطاء النمو بنسبة 2.0 في المائة كل عام.

لا شك بأن إرتفاع الدين العام في الاردن من 26.1 مليار دينارفي العام 2016الى30.8 مليار دينار كانت أسبابه عدة، بما فيها عوامل إقليمية مثل الحروب والاضطرابات في المنطقة (لا سيما على أراضي سورية المجاورة)، بالاضافة الى إتجاهات النمو للاقتصاد الوطني التي تضررت نتيجة إرتفاع معدل البطالة والضرائب المرتفعة والصراعات الإقليمية الحربية والسياسية الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من تقارب نسبة الدين الى الناتج المحلي الإجمالي بين الاردن والولايات المتحدة الامريكية، إلا أن هناك فرق شاسع بين الدولتين من حيث الامكانيات والقدرة على تجاوز الازمات الاقتصادية.

فلن يشعر المستثمرون بالقلق من أن الولايات المتحدة ستتخلف عن سداد ديونها، حيث يمكن للولايات المتحدة ببساطة طباعة المزيد من الدولارات لسداد الديون.

لهذا السبب، فإن مخاطر التخلف عن السداد تعتبر منخفضة للغاية حالياً بالنسبة للولايات المتحدة، والعكس صحيح بالنسبة لدولة مثل الاردن.

ومن وجهة نظر اخرى،وحين دراسة نسبة الديون السيادية الى الناتج المحلي الإجمالي لاكثرمن 200 دولة، نجد أن الاردن كان يحتل المركز ال 20 قبل ازمة الكورونا، مما كان يضعه من ال 10% الاعلى من حيث نسبة الدين العام للناتج المحلي الاجمالي.

ولكن بسبب الجائحة وحين ازداد الاقتراض في جميع دول العالم، أصبحت نسبة المملكة اقل بكثير (نسبيا) من دول عديدة في العالم، مما يعطي من وجهة نظري فرصة للحكومة بإمكانية اقتراض (على سبيل المثال) 1.50% الى %2.0 اضافية من الناتج المحلي (حوالي 600 مليون دينار)، على شرط إستخدام هذه الأموال بضخها مباشرة في الاقتصاد المحلي من خلال عدة قنوات مثل دفع مستحقات إضافية الى موردي الدولة من مقاولين ومستودعات أدوية وغيرهم، ومساعدة قطاع السياحة (المتضرر الاكبر من الجائحة) وغيرها من القطاعات، والتي سيكون حتماً محفزاً كبيراً لاحتمالية حصول انتعاش اقتصادي (ولو كان بسيطا) والذي ستستفيد منه الحكومة تلقائياً من خلال قدرتها على تحصيل ضرائب ورسوم عندما يتم إعادة تدوير هذه الأموال في الاقتصاد.

علينا كأردنيين ان نعلم بأن بالرغم من زيادة المديونية العامة وضعف نمو الاقتصاد في السنوات الاخيرة والاثر السلبي لجائحة الكورونا، يبقى الدينارالأردني في وضع مستقر بسبب عدة عوامل رئيسية تدعو للاطمئنان، بما فيها:

(1) ثبات إﺟﻤﺎﻟﻲ اﻻﺣﺘﯿﺎطﯿﺎت اﻷﺟﻨﺒﯿﺔ لدى اﻟﺒنك اﻟﻤﺮﻛﺰي (ﺑﻤﺎ فيهاا لذهب وﺣﻘﻮق اﻟﺴحب اﻟﺨﺎﺻﺔ) التي وصلت إلى أكثر من 14.47 ملياردولار.

(2) استقرار السياسة النقدية للدولة وخاصة الشق المتعلق بإرتباط الدينار بالدولار الأميركي المعمول به منذ أكثر من عقدين ونصف العقد.

(3) نمو إﺟﻤﺎﻟﻲ اﻟودائع لدى اﻟﺒﻨﻮك اﻟﻤﺮﺧﺼﺔ في الجهاز المصرفي الى35.7 مليار دينار.

(4) نمو إجمالي الودائع بالدينارالاردني من 25.6 مليار دينارفي نهاية عام 2019 الى27.2 مليار دينارفي اذار2020 .

(5) بلوغ رصيد صافي الموجودات الأجنبية للجهاز المصرفي في نهاية شهر شباطالى7.6مليار دينار.

(6) انخفاض فاتورة الطاقة للدولة بسبب انخفاض سعر النفط الى النصف تقريبا.

(7) علاقة الاردن القوية مع صندوق النقد الدولي والتقيد ببرامج الاصلاح الاقتصادي، ومزايا اخرى على رأسها السمعة القوية للاردن من أثر جهود جلالة الملك عبد الله الثاني في علاقاتنا الدولية.

بالمحصلة، وبالرغم من أهمية السيطرة على المديونية العامة على المدى المتوسط و البعيد، اعتقد ان زيادة الدين العام بنسبة قليلة في هذه الظروف الاستثنائية والاستناد على الايجابيات العديدة المذكورة أعلاه لتقديم مساعدات إضافية للقطاع الخاص هو ما نحتاجه اليوم للحفاظ على الوظائف ومنع فشل المزيد من الشركات وتنشيط عجلة الاقتصاد، والتي ستعظم بالمحصل من المقام (Denominator) في معادلة نسبة الدين العام للناتج المحلي الاجمالي وستخفف من خطورة المديونية بشكل عام.

على الحكومة أن تتذكر بأنها ليست محصنة ضد الحلقة المفرغة للاقتصاد بوضعه الحالي. فعندما تفشل الشركات ويتباطأ الاقتصاد، ستنخفض عائدات الحكومة ولن تعود قادرة على دفع الرواتب وخدمة ديونها الخارجية او الداخلية اوإنفاق اي أموال على التعليم والصحة و البنية التحتية وغيرها من الاحتياجات.

وإذا حدث ذلك، فلن يكون دخل أحد آمناً. فلنمتلك الجرأة ونضع أيدينا على الجرح ونتحرك بسرعة قبل فوات الأوان.

**الرئيس التنفيذي –شركة إثمار انفست

اضافة اعلان