قرابين بين يدي بحر ميت

قد يكون عند نشر هذا المقال قد تم البت في استقالة وزيري التربية والسياحة على خلفية ما عرف بفاجعة البحر الميت والتي نتج عنها وفاة عدد كبير من الأطفال في حادثة لم يشهد لها الأردن مثيلا من قبل وتصدرت عناوين وكالات الأنباء محليا وعالميا .اضافة اعلان
تأتي هذه الاستقالات أو الإقالات لامتصاص الغضب الشعبي العارم الذي اجتاح وسائل التواصل الاجتماعي للمطالبة بالإطاحة برؤوس بعض المسؤولين.
غالبا ما يجنح الناس عقب كل حادثة مشابهة إلى المطالبة بمحاسبة من يعتقدونهم مسؤولين عن حدوثها وهو الحل الذي يستسهله أصحاب القرار لتنفيس الغضب الشعبي من خلال تقديم قرابين بين يدي هذا الغضب لتعمل على تبريده بعيدا عن البحث عن حلول جذرية تعالج أصل المشكلة لنصحو بعد فترة على كارثة أخرى تبحث عن قرابين جديدة، فغالبا ما ترتكز الثقافة العقابية على إصدار الأحكام بدلا من معالجة النظام.
لقد وعى العالم منذ زمن أن الأخطاء التي تؤدي إلى الكوارث تجد لها جذورا في النظم التي تحكم سير العمل وليس في البشر الذين من طبعهم الخطأ فكان الاتجاه إلى معالجة الأنظمة بعيدا عن استخدام العقاب الفردي كغاية تكفينا مؤونة البحث عن حلول ناجعة فهذه الحلول الفردية ليست سوى إبر تخدير لا تستهدف أصل العلة وإنما بعض أعراضها .
لقد عمد القدماء من أهل الحضارات التي كانت تجاور البحار والأنهار إلى تقديم قرابين من فتيانها وفتياتها اتقاء لما كانوا يظنونه غضب الطبيعة بدل أن يقوموا ببعض الإجراءات التي كان يمكن أن تجنبهم هذه الكوارث أو أن تحد من أضرارها على أقل تقدير, فإذا لم تجد هذه القرابين نفعا في إرضاء بحار حية فهل سيعبأ بها آخر ميت.
حري بنا أن ندرس الأسباب الحقيقية التي أدت إلى هذه الكارثة وأن نراجع الأنظمة والتعليمات التي تحكم الرحلات المدرسية والسياحة ذات الطبيعة الخاصة و جاهزية الجهات المختلفة للتعامل مع مختلف الكوارث إنقاذا وإسعافا بعيدا عن ثقافة النخوة والبطولات الفردية التي يشكر أصحابها لكنها لا يمكن أن تؤسس لنظام متكامل قابل للاستدامة, فحتى نتمكن من إحداث التغييرات المطلوبة في مجال السلامة يجب علينا أن نعترف بوجود ثغرات في النظم القائمة وأن نضع خططا لمعاجة كل ثغرة في سياق منظم.
إن الحلقة المفقودة في التعامل مع هكذا كوارث تكمن في تبني مقاربة منتظمة تدعمها مبادئ مستندة إلى علوم السلامة لتحقيق تغيير تنظيمي واسع النطاق يؤدي إلى تكامل النظم بحيث تتآزر فيما بينها لإنشاء نظام شامل ومتكامل بعيدا عن ثقافة الجزر المعزولة، فالغرض من إنشاء النظم هو تحقيق وظائف من المتعذر تحقيقها بأي جزء من مكوناتها الفرعية منفردا حيث يمكن أن يؤدي أي خلل في مكون واحد من مكونات النظام إلى انهيار النظام بأسره.
نعم على المخطئ أن يتحمل نتيجة خطئه وعلى المقصر أن يحاسب على تقصيره، لكن هذه الإجراءات العقابية لا تعدو كونها حلولا سطحية لمشاكل بنيوية عميقة تحتاج إلى حلول جذرية تتعامل مع أصل العلة .