قرابين لطريق الموت الصحراوي

لا يكاد يمر أسبوع وربما أقل إلا ويقدم الذاهبون للجنوب أو العائدون منه عبر الطريق الصحراوي قرابين وضحايا ومصابين إصابات بليغة ودائمة تترك الحزن والآلام مقيما لأهل هؤلاء الضحايا والمصابين وتترك الخوف والقلق لكل من تستدعي ظروفه عبور هذا الطريق الذي أضحى فعلا طريق الموت دون منازع. الاحصائيات الرسمية تشعرنا بالصدمة؛ آخر إحصائية صادرة عن المعهد المروري الأردني لعام 2018 تبين أن عدد الحوادث بلغ 152398 ألف حادث منها 11 ألف حادث تسبب بوفيات وإصابات بليغه أو مؤقتة وبكلفة مالية بلغت 313 مليون دينار؛ بلغ عدد الوفيات خلال آخر خمس سنوات 3302، هذه الأرقام تضع الأردن في مقدمة الدول الأعلى من ناحية عدد الضحايا قياسا بعدد السكان وإن كان ترتيبه متأخرا نوعا ما عن الهند واندونيسيا وإيران وباكستان والولايات المتحدة الاميركية والسعودية ولكنه مؤشر خطير في تبعاته الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية. القصة المزمنة صيانة الطريق الصحراوي ينطبق عليها ما ورد في مسرحية "الفرد فرج"- إدارة عموم الزير- بالرغم من أنه أهم وأطول طريق دولي يربط عمان بمنطقة العقبة الاقتصادية الخاصة ويقع على المسار السياحي ويرتبط ارتباطا وثيقا بالتنمية والاستثمار باعتبار أن العقبة هي المشروع الكبير الذي راهنت عليه الحكومات لجذب الاستثمار وتطوير السياحة؛ إلا أنه يتراجع للأسوأ وتتهالك بنيته التحتية رغم كل محاولات الترقيع التي لا تناسب طريقا دوليا برغم الوعود التي كلما أوغلت الحكومات المتعاقبة فيها صارت مثار تندر من الناس وكلما زاد تردي الطريق أكثر فأكثر وسفكت عليه المزيد من الدماء والضحايا والاصابات الدائمة؛ بل إنه من الأسف القول إن شركات المقاولات التي تنفذ عملية الصيانة والتوسعة تساهم في الحوادث المرورية القاتلة نتيجة عدم اتخاذ وسائل السلامة وعزل المسارب. لا أحد يريد أن يحمل الحكومة وحدها المسؤولية سواء وزارة الأشغال المعنية بالصيانة الدائمة أو وزارة النقل المعنية بإيجاد حركة نقل آمنة أو الأمن العام المعني بضبط حركة المرور وتجاوزات السائقين ومراقبة سلامة المركبات وصلاحيتها للسير على الطرق العامة بل إن السائقين الذين لا يراعون قواعد السلامة المرورية ولا يقيمون وزنا لحياتهم وحياة الناس يتحملون جزءا كبيرا من المسؤولية التي لم يعد من المنصف الاستمرار في إدراجها تحت بند القتل الخطأ قانونيا، فمن يسير بسرعة جنونية على طريق متهالك لا يختلف عن من اتخذ قرارا مسبقا بإلحاق الأذى بالآخرين بما فيه من ضرر الموت .ولم يعد مقبولا هذا الاستسهال في التعامل الاجتماعي مع هذا النوع من الحوادث المميتة والأضرار التي تلحق بالناس الابرياء ولا تقل عن أي جريمة فلا بد من تغليظ العقوبات وخاصة فيما يتعلق بالحق العام. الاعتراف بالمشكلة موجود منذ زمن بعيد على الصعيد الرسمي لكن التعامل ظل يندرج بين التعامل مع الحدث لحظيا وعلى طريقة الفزعة وإطلاق سيل لا ينتهي من التصريحات مع زيارة ميدانية للمسؤولين والتأكيد على ضرورة اتخاذ الإجراءات العاجلة ضمانا لسلامة المواطنين والمركبات والحث على سرعة انجاز اعمال الصيانة بأسرع وقت لكن للأسف دون جدوى وينتهي الامر بعد فترة إلى مزيد من الحوادث والضحايا والارزاء التي تلف العوائل المكلومة. المطلوب عدم الاكتفاء بالزيارات الميدانية والتقاط الصور وإطلاق التصريحات؛ بل الضغط على المقاولين لإنجاز الأعمال وعدم ترحيل أي مبالغ رُصدت في الموازنات لتوسعة الطريق لمشاريع أخرى كما جرت العادة؛ لعلها تساهم في حل المشكلة التي طالت ودفعت الناس قرابين كثيرة وتشفع لمن يأتي بعدهم ويستخدم الطريق وينال نصيبا أطول من الحياة!!اضافة اعلان