قرابين لمحاربة الفساد.. وأخرى للإصلاح

درج في الآونة الأخيرة استخدام مصطلح "قرابين محاربة الفساد"، من قبل النخب والعامة في الأردن؛ في إشارة واضحة إلى الانتقائية في محاربة الفساد، رغم أنه المشكلة الأهم التي أرّقت المجتمع، وألهبت حناجر الأردنيين، وجعلتهم يخرجون إلى الميدان مطالبين بمحاسبة الفاسدين ومحاربة الفساد.اضافة اعلان
الاستجابة للمطالبة كانت دون الطموح؛ فبعض الملفات فتح ووضع القائمون عليها خلف القضبان، لكنهم سرعان ما خرجوا ولم نعد نسمع حرفا واحدا عن سير التحقيق في تلك القضايا.
في المقابل، نجد ملفات تم التعامل معها بأسلوب مختلف، تمثل في تقديم قرابين للتكفير عن خطايا الفساد في تلك الملفات، وقدمت شخصيات ثانوية لمحاسبتها على اقتراف فعل الفساد، فيما أسقطت أسماء كبيرة من الحسبة، رغم أن الرأي العام يعلم تماما أن من تم الاقتصاص منهم ليسوا هم رأس الفساد في تلك الملفات.
ونجد أيضا ملفات مسكوتا عنها، لم تتشكل حتى النيّة لفتحها والتدقيق في شبهات الفساد التي تعتريها، وكل ما تم حيالها تمثل في وضع خطط للكيفية التي سيتم من خلالها دفن هذه الملفات، وتبرئة القائمين عليها، تماما كما تُخرج "الشعرة من العجين".
والأهم من محاربة الفساد، هو كيفية معالجة تبعاته، والتخلص من الإرث الذي تركه القائمون على المؤسسات التي عانت من الفساد، بعد أن نُهبت أموالها وضاعت حقوق البلد. فالحلول والمعالجات لم تكن جذرية، ولم تهدف إلى اقتلاع الفساد من جذوره وتجفيف منابعه، بل تم البحث عن شخصيات لتقديمها قرابين إصلاح، يؤدون دورا مماثلا لقرابين الفساد.
النوع الأول من القرابين والمتعلق بالإصلاح، يساعد على طمأنة الناس بأن أوضاع المؤسسة الفلانية باتت بخير، وذلك غير صحيح. فيما يهدف النوع الثاني، وهو قرابين محاربة الفساد، إلى تقديم بينات مفادها أن محاربة هذه المشكلة جادة وملتزمة، وأن من فسد في المؤسسة العلانية تمت محاسبته، وذلك بعيد عن الواقع أيضا.
فأولئك الذين وصفوا بأنهم "كبش فداء" في ملف محاسبة الفساد، قابلهم مثلهم لجهة تنظيف مخلفات الفساد، لكن هذه المرة لأهداف مختلفة، تتمثل في تعيين أشخاص نظيفي اليد يتسمون بالنزاهة لتلميع صورة مؤسسات عاث فيها الفساد، والهدف مسح الماضي المرير بكل تجلياته، لكن هيهات أن ينجح ذلك!
بيد أن كل محاولات الطمس تصطدم بحالة الوعي التي بلغها المجتمع، والتي صارت قادرة على تفسير السياسات وقراءتها وتحليلها بعمق. فمن لجأ إلى استخدام هذه القرابين يجهل أن هذا النهج لن ينقذ المؤسسات، بل سيلوث الشخصيات النظيفة، وستبقى المؤسسات تعاني من مشاكلها السابقة وفسادها الذي عشعش في زواياها.
وإعادة تأهيل المؤسسات التي سُرقت ونُهبت، وإصلاح التشوهات التي تعاني منها، لا يحتاجان فقط إلى مثل هذه الشخصيات، بل يتطلب ذلك توفر الإرادة الصادقة، ورفع الغطاء عن كل من شارك في جرائم الفساد في الماضي.
الجهات المعنية استخدمت كل الأدوات الممكنة وتلك غير المتاحة للانتهاء من ملفات الفساد خلال فترة محددة، قد تكون نهايتها رحيل مجلس النواب الحالي، مع العلم أن هذا السلوك لا يمثل ضمانة لعدم إعادة فتح تلك الملفات من جديد.
منذ هبت نسائم الربيع الأردني، بذلت جهود كبيرة لاجتثاث الفساد، وثمة نتائج لا ننكرها، لكن طريق هذا الملف ما تزال معبدة بالصعوبات، وإقناع الناس بجدواها ما يزال بانتظار تقديم كبار الفاسدين إلى القضاء لحسم الجدل القائم حولهم، وإعطاء الضوء الأخضر لاقتلاع الفساد الذي عشعش في بعض المؤسسات، وعدم الاكتفاء بالقشور.