قرارات التقاعد ومستقبل الضمان: تساؤلات مشروعة !

لا خلاف أن الحكومة تواجه مأزق البطالة وهو تحد كبير يؤرق الجميع خاصة أنها تتركز في فئة الشباب والمؤهلين أكاديميا وستتفاقم في المستقبل، لذلك تقول إن لديها مشروعا للتخفيف منها، لسنا متأكدين من قدرتها على تنفيذه وهو توفير ثلاثين ألف فرصة عمل سنويا وبالتالي لا بد من الإحالات على التقاعد. ولكن الأمور يجب أن تخضع لدراسة متأنية بعيدا عن الرغبة في تحقيق إنجاز في جهة ودفع الثمن في جهة أخرى.اضافة اعلان
الحديث يدور حول توجه لإحالة موظفي القطاع العام العاملين تحت مظلة التقاعد المدني والضمان الاجتماعي الذين بلغت اشتراكاتهم ما بين 25 عاما و28 عاما أو تحديد نسبة مئوية بين 15 % و20 % ممن بلغت اشتراكاتهم في الضمان الاجتماعي من 25 إلى 30 عاما والهدف المعلن ترشيق القطاع العام، وبالتالي تتراجع هنا الرواية الحكومية في تسويق تخفيف البطالة باستثناء تعيينات التربية والصحة.
من المتوقع في حال تطبيق هذا التوجه الحكومي أن تتراوح أعداد المتقاعدين سنويا من خمسة آلاف إلى عشرة آلاف سنويا وهي قابلة للزيادة لأن معظم التعيينات الحكومية تم تحويلها لمظلة الضمان منذ تاريخ 1/1/1995.
هذا القرار مهم وجيد إذا ساهم في تخفيف البطالة، ولكن له تداعيات على راتب التقاعد المستحق وخاصة لمن يتقاعد على الضمان من حيث خسارة جزء كبير من الراتب قد يصل للنصف وخسارة مؤسسة الضمان لاشتراكاتهم، وستضطر لدفع رواتب تقاعدية لمتقاعدين في أعمار مبكرة ولسنوات طويلة بحكم أن الدراسات الاكتوارية تقول إن معدل توقع الحياة في تحسن مستمر، بالإضافة لخسارة كل هؤلاء أو معظمهم وهم من الكفاءات التي استثمرت فيهم الحكومة تأهيلا وتدريبا، ومنهم من حصل على جوائز الموظف المثالي ويمثلون مخزون الإدارة العامة الحقيقي وأغلبهم سيكونون في الفئة العمرية من 45 الى 55 عاما أي في ذروة العطاء وسيضطرون للبحث عن عمل آخر لتغطية فروقات الراتب التقاعدي وهو أمر يمنعه قانون الضمان الاجتماعي على الأقل لمدة عامين، ولا ننسى أن الانتقائية في اختيار المحالين للتقاعد سيكون لها أثر سلبي.
من حقنا أن نقلق اليوم على مستقبل الضمان الاجتماعي ونستذكر التحذيرات التي بُنيت على الدراسات الاكتوارية وتم الترويج لها وما انفك المسؤولون المعنيون يرددونها على مسامعنا خلال العقدين الأخيرين وهي خطورة بقاء عملية احتساب الرواتب التقاعدية وتقاعد الشيخوخة والتقاعد المبكر على وضعها الحالي ولعل تحذير مدير عام المؤسسة الأسبق في ندوة مركز دراسات الرأي بتاريخ 28/4/2008 من خطورة أن تكون القاعدة هي التقاعد المبكر وأن على الجميع أن يدرك مدى خطورة هذه الظاهرة على المستوى الشخصي والعائلي والوطني والاقتصادي وهو أهم دواعي شعورنا بالقلق.
هذا الكلام لن يعجب الحكومة بالتأكيد، لكنها هي التي قالت لنا بالأرقام الدقيقة أن مستقبل الضمان بصيغته الحالية وبما في ذلك استمرار تقاعد الشيخوخة لعمر الستين للذكور ولعمر الخامسة والخمسين للإناث والتوسع في التقاعد المبكر قد يكون في مأمن حتى العام 2034، ولكن بعد ذلك لن تكون الاشتراكات قادرة على الوفاء بالالتزامات التقاعدية وربما تضطر المؤسسة للجوء لبيع أصولها في فترات لاحقه ولكنها اليوم تناقض ذلك.
حتى لا يقال بأننا عدميون ونهاجم أي محاولة حكومية للإصلاح الإداري نتفهم أنها تريد أن تتعامل مع هذا التحدي ولكن عليها ألا تتسرع وتأخذها الرغبة في أي انجاز مرحلي ندفع جميعا ثمنه مستقبلاً؛ ألم تكن الحكومة تتلو علينا صباحا ومساء قصة الضمان وشجرة الزيتون وأن علينا، حتى تستمر شجرة الضمان الاجتماعي وارفة الظلال يتفيؤها الجميع، رعايتها لتكبر وتنمو لا أن نقوم بتقطيعها وحرقها والتدفئة عليها مؤقتا ونواجه صقيع السنوات القادمة بدونها.