قرار القدس المرتقب: استغلال للانقسام العربي وضربة لاستقرار المنطقة

منظر عام لمدينة القدس التي يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم إعلانها مكانا لسفارة بلاده وعاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي-(أ ف ب)
منظر عام لمدينة القدس التي يعتزم الرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم إعلانها مكانا لسفارة بلاده وعاصمة لدولة الاحتلال الإسرائيلي-(أ ف ب)

عمان- الغد- تحتم الخطوة المتوقعة للرئيس الأميركي دونالد ترامب اليوم، والخاصة بإعلانه الاعتراف بالقدس المحتلة عاصمة لإسرائيل، على الدول العربية، التحلي بمسؤولياتها تجاه المدينة المقدسة، وإعادة ترتيب أولوياتها التي مزقتها حالة التشتت التي تعيشها في ظل انصراف هذه الدول نحو صراعات عربية عربية، وعربية إقليمية، على حساب القضية الفلسطينية.اضافة اعلان
لا شك ان حالة التردي العربي، والتفات العديد من الدول نحو خلافات سياسية ونزاعات ذات أبعاد دينية، أبرزها التصعيد الإيراني السعودي، والأزمة التي تعصف بالبيت الخليجي، والوضع في سورية والعراق، كل ذلك ساهم في تراجع قدرة العرب على إدراك حساسية القضية الفلسطينية، وتأثيرها الكارثي على المنطقة، خصوصا إذا ما أقدم الرئيس الأميركي على الإعلان فعليا عن القدس عاصمة لإسرائيل.
وفيما تواصل عمان تحركاتها تجاه الحيلولة دون وقوع "المحظور"، وتأكيدها على أن اتخاذ مثل هذه الخطوة قد تدفع العالمين العربي والإسلامي نحو أزمات جديدة، تبقى بعض الدول العربية تائهة، عبر انجرارها نحو تحالفات تعقدها مع أميركا، أو الانفتاح غير المباشر على إسرائيل.
وبحسب مراقبين، فإن عدم وجود مشروع عربي موحد تجاه الملف الفلسطيني، جعل قدرة التأثير العربية على صناع القرار في أميركا تكاد تكون معدومة، ما ساهم في تجرؤ الأخيرة على الإعلان عن نيتها الاعتراف بالقدس المحتلة كعاصمة لإسرائيل، وعزمها نقل السفارة الأميركية إلى القدس، قبل أن تتراجع في اللحظات الأخيرة عن خطوة "النقل".
اندفاع العرب نحو ملفات سياسية أخرى، جعلهم لا يدركون حقيقة أن الاحتلال هو مصدر العنف، وان إسرائيل وأميركا ليستا الدولتين القادرتين على توفير أمن واستقرار المنطقة، لتقف هذه الدول مكتوفة الأيدي أمام خطوات سيدفعون ثمن عدم محاربتها سياسيا ودبلوماسيا، وستعود بالضرر عليهم وحدهم.
على مدار سنوات طويلة، كانت القدس المحتلة مفتاح السلم والحرب، وفق مراقبين أكدوا أن الإدارات الأميركية المتعاقبة كانت تدرك ذلك جيدا عبر تأجيلها المستمر لملف نقل السفارة الاميركية من تل ابيب الى القدس منذ العام 1995، حيث بقيت مجرد شعارات تغنت بها تلك الادارات من أجل الوصول إلى سدة الحكم ونيل تاييد اللوبي اليهودي، بيد أن فقدان البوصلة العربية وحالة الخذلان، وضعف المنطقة دفع بالبيت الأبيض لأن لا يضع أي قيمة للعرب، وبالتالي المضي بسياسته الأحادية، دون اعتبار لأي ردة فعل متوقعة.
ذلك يستدعي على أرض الواقع إعادة الاعتبار إلى القضية الفلسطينية، باعتبارها القضية المركزية للأمة العربية، ورفض كافة أشكال التطبيع مع الإحتلال وربط أي حديث عن علاقات مع إسرائيل بالتوصل إلى سلام يعيد الحق إلى أصحابه، وهو موقف يرى مراقبون أنه "بعيد المنال"، انطلاقا من أنه بات للدول العربية أولويات أخرى، وأجندات مختلفة، وتحالفات جديدة، دفعت بهم للعيش في وهم أن "إسرائيل هي حامية المنطقة من التمدد الإيراني"، أو أن "أميركا ترامب" تضع مصلحة العرب فوق اتفاقياتها الموقعة مع طهران بشأن المفاعل النووي.
الموقف العربي، وكعادته، لم يتجاوز التحذير والإدانة لتوجه ترامب، وكل ما أعلن عنه بالأمس، لم يتعد تحذيرات كلامية من أن اتخاذ الولايات المتحدة قرارا بنقل سفارتها الى القدس المحتلة سيكون "إجراء خطيرا ستكون له عواقب وتداعيات، ولن يمر من دون تبعات تتناسب ومدى خطورته، وأن مثل هذا القرار، إن اتخذ، من شأنه القضاء على الدور الأميركي كوسيط موثوق لرعاية التسوية بين الفلسطينيين والقوة القائمة بالاحتلال".
الشارعان العربي والإسلامي، استمعا إلى تصريح الأمين العام لجامعة الدول العربية أحمد أبو الغيط أمس، عندما أكد أنه "يخطئ من يظن أن القضية الفلسطينية يمكن أن تكون مسرحا للتلاعب أو مجالا للعبث من دون عواقب خطيرة على الأمن والاستقرار في المنطقة"، كما استمعنا إلى تصريحات عدد من المسؤولين العرب تحمل ذات المضمون، لكن هذين الشارعين سرعان ما تسابقا عبر مواقع التواصل الاجتماعي للطلب من قادة الدول العربية التحرك الفعلي تجاه هذه الخطوة، متسائلين "إلى متى ستبقى ردود فعلنا تعكس ضعفنا.. أين التحركات السياسية الحقيقية؟".
أردنيا، فإن القدس المحتلة، والقضية الفلسطينية أولوية عليا، ونتيجة لذلك كانت تحركات عمان "شرسة" تجاه التحذير مما قد يترتب عليه مثل هذا القرار، لكن تبقى المسؤولية عربية، لأن اطلاق "شرارة النار" الأميركية قد تحرق المنطقة قاطبة.