قرار بائس

خلال الأشهر الثمانية الماضية كان النظام السوري يقلب أوراق روزنامته بأصابع مبللة بالدم، وكانت دمشق مطمئنة إلى صمت عربي مقيت جسد ما اعتبرناه تواطؤا، وما اعتبره غيرنا مشاركة عربية رسمية في جريمة النظام ضد شعبه.اضافة اعلان
ليتنا لم ننتقد صمت الرسميين العرب، فقد كسروا الصمت القاتل للناس بصوت قاتل للحلم بوطن سوري ديمقراطي، يفتح ذراعيه للعرب ويحمي ترابه وسماءه من أطماع ومؤامرات الغرب الاستعماري.
هكذا نقرأ قرار مجلس الجامعة العربية الذي علق عضوية سورية في الجامعة ومنظماتها، ومهد للاستعانة بالأمم المتحدة لتوفير الحماية للمدنيين السوريين. وهكذا يستنسخ العرب السيناريو الليبي في التعامل مع القضية السورية رغم الفوارق الكبيرة بين البلدين.
هل كنا بحاجة للانتظار ثمانية أشهر من أجل التوصل الى قرار بائس يضع حاضر سورية ومستقبلها بين يدي منظمة دولية تنصاع للرغبة الأميركية في كل قراراتها؟ وهل نقوم بواجبنا في حماية الشعب السوري حين ندير ظهورنا لهذا الشعب ونشيح بوجوهنا عن نزفه اليومي، ونوكل أمره للذين احتلوا العراق وليبيا وضربوا السودان وقسموه وما يزالون يتصدون بوقاحة مستفزة لأي جهد دبلوماسي أو سياسي منصف للشعب الفلسطيني؟
كنا نأمل بضغط عربي على النظام الحاكم في دمشق، وكنا نتوقع أن يمتلك مجلس الجامعة زمام قراراته وخياراته ليقدم حلا عربيا للأزمة يحفظ حق السوريين في الحياة وفي الحرية ويحفظ نقاء تراب سورية وسمائها من دبابات الغزاة وطائراتهم. وكنا نأمل بتدخل عربي يعتمد اقتحام المشهد السوري بكل أدوات الضغط على النظام لحماية أهالي المدن وأريافها من قصف قوات النظام وجرائم شبيحته، بدلا من "إعلان البراءة" من المسؤولية السياسية والأخلاقية وترك السوريين يواجهون مصائرهم حين يستفرد بهم النظام المعتد بعزلته.
يختار النظام السوري وأصدقاؤه الرد على قرار مجلس الجامعة بمظاهرات موالية شبيهة بتجمعات باب العزيزية، وكأن النظام أيضا يستنسخ التجربة الليبية. وينفعل الاعلام الرسمي السوري في رد فعله فيوزع الاتهامات بالخيانة على كل العرب، ومن ينساه مذيع نشرة الأخبار يتذكره محلل يتحدث عبر الأقمار الصناعية الأميركية من برلين أو من موسكو!
لن يجف نهر الدم بهذه الطريقة، بل سيكبر ويغرق الشوارع والساحات. ولن تحل الأزمة بإدارة الظهر لها، بل ستكبر حد الاستعصاء على الحل حين يستظل النظام بحجة الدفاع عن الوطن ضد الغزو والمؤامرة والتدخل الأجنبي، ويواصل قمع معارضيه الذين يرحبون الآن بقرار الجامعة وكأنه انجاز تاريخي وفتح عظيم.
طلبت سورية عقد قمة عربية طارئة، ولا نعرف إن كان عقد هذه القمة ممكنا في ظل المزاج السائد في أروقة الجامعة، وتحت الضغط الأميركي والأوروبي الذي يدفع باتجاه الحصول على غطاء عربي لضرب سورية.
لكن، وبغض النظر عن استجابة الجامعة أو رفضها للطلب السوري ينبغي الإبقاء على سورية في الإطار العربي، ويتوجب البحث عن حل عربي يضمن حماية سورية شعبا ووطنا، حتى لا يتكرر السيناريو الليبي أو العراقي، وحتى نثبت أننا نستطيع الخروج من حالة العجز المخجل إلى حالة الفعل المنتج الذي ينعكس على حياة شعوبنا بعيدا عن جنازير دبابات الغرب وهدير طائراته.