قرصنة "واتساب": عندما تصبح شركات برامج التجسس مارقة، لا أحد يكون في مأمن

دانا إنغلتون – (نيوزويك) 14/5/2019

ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

في حزيران (يونيو) من العام الماضي، تلقى أحد زملائي في منظمة العفو الدولية رسالة "واتساب" من رقم غير معروف. واحتوت الرسالة على تفاصيل عن احتجاج من المفترض أن يحدث في السفارة السعودية في واشنطن العاصمة. لكن زميلي أصبح مرتاباً على الفور. جاءت تلك الرسالة في وقت كانت منظمة العفو الدولية تقوم فيه بحملات لإطلاق سراح ستة نشطاء مسجونين في المملكة العربية السعودية، وبدا أن هناك شيئاً ليس على ما يرام في الرسالة المذكورة.
ثم أثبت تحليل الروابط في الرسالة أن هذه الشكوك تستند إلى أسس سليمة. وجد فريق منظمة العفو الدولية أن النقر على الرابط كان من شأنه أن يثبِّت سراً برنامج تجسس قوي في الهاتف، والذي سيتيح وصولاً كاملاً إلى المكالمات والرسائل والصور، والموقع الجغرافي. ومكنتنا نظرة فاحصة أقرب من تعقب الهجوم إلى شركة إسرائيلية سرية: "مجموعة إن. إس. أو".
تقوم "مجموعة إن. إس. أو" ببيع برامج المراقبة للحكومات، وقد تم ربطها بالكثير من الهجمات الرقمية التي تُشن على نشطاء حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم. وكانت محاولة التجسس على منظمة العفو الدولية بمثابة القشة الأخيرة بالنسبة لنا. واليوم، أقدِّم مجموعة من الأدلة لدعم 30 من المدعين الذين يتخذون إجراءات قانونية في إسرائيل، والذين قدموا التماساً إلى وزارة الدفاع لإلغاء ترخيص التصدير لـ"مجموعة إن. أس. أو". كما أشرت في شهادة خطية أرسلتها إلى المحكمة، فإن برمجيات "إن. أس. أو" تشكل تهديدا للنشطاء والصحفيين في جميع أنحاء العالم. وربطت مجموعة الحقوق الرقمية "مختبر المواطن" Citizen Lab الشركة الإسرائيلية بهجمات شُنّت ضد المجتمع المدني في البحرين وكازاخستان والمكسيك والمغرب ودول عربية أخرى. ولا يمكننا الجلوس والمشاهدة فقط بينما تصبح "إن. أس. أو" وكيلا للحكومات القمعية.
مثل العديد من الهجمات الموثقة سابقا، كانت في الرسالة التي تم إرسالها إلى منظمة العفو كل العلامات المميزة لبرنامج "بيغاسوس" Pegasus، وهو عبارة عن قطعة شريرة سوداء من برمجيات "إن. أس. أو"، والذي يمكنه التحكم في لوحة مفاتيح الهاتف والكاميرا والميكروفون. وكان "بيغاسوس" هو الأداة المستخدمة العديد من نشطاء حقوق الإنسان العرب الذين تسجنهم حكوماتهم الآن. كما كشفت مجموعة "مختبر المواطن" أيضاً عن دور "بيغاسوس" في خطة لاستخدام برامج تجسس لاستهداف الناشطين والصحفيين المكسيكيين، بما في ذلك أولئك الذين يحققون في قضايا الفساد وعصابات المخدرات.
يجدر التأكيد هنا ما قالته "إن. أس. أو" نفسها من أنها تقوم ببيع برامجها للحكومات فقط. لكن الحكومات، بطبيعة الحال، ليست بالضرورة حميدة أكثر من مجرمي الإنترنت، بل إن البعض منها أسوأ منهم بكثير. وبحلول هذا الوقت، تعرف "إن. أس. أو" بالتأكيد أي نوع من الأيدي هي التي تنتهي منتجاتها إليها في نهاية المطاف.
في العام الماضي، أصبحت هذه الشركة هدفاً للمزيد من التمحيص بعد مزاعم بأنه تم استخدام برامجها لتعقب الصحفي المقتول جمال خاشقجي -وهو اتهام نفته الشركة. ولكن، وعلى الرغم من مجموعة الأدلة المتزايدة باستمرار، استمرت الحكومة الإسرائيلية في إعطاء شركة "إن. أس. أو" الضوء الأخضر لتصدير منتجاتها. ويصعب العثور على تفاصيل محددة حول كيفية عمل ترخيص التصدير ونوع الأمن أو الأخلاقيات التي تستتبعه. العملية تكتنفها بالسرية؛ لكن من الواضح أن الشروط ليست صارمة بما يكفي لإبعاد منتجات "إن. أس. أو" عن أيدي منتهكي حقوق الإنسان. ولا نعرف ما إذا كانت الحكومة الإسرائيلية قد استخدمت "إن. أس. أو" في سياق مراقبة الفلسطينيين أيضاً. وقد تجاهلت وزارة الدفاع الإسرائيلية طلبات متعددة قدمتها منظمة العفو الدولية وغيرها لإلغاء ترخيص الشركة، وهذا هو السبب في أننا نقدم الأدلة في هذا الإجراء القانوني.
إذا كان من الممكن استهداف أكبر منظمة لحقوق الإنسان في العالم، والتي تضم خبراء في التكنولوجيا بين كوادرها، فإن هذا ربما يكون مجرد قمة جبل الجليد عندما يتعلق الأمر بوصول "إن. أس. أو". كما أن الهجمات مثل ذلك الذي شُن على منظمة العفو تظهر كم أصبحت صناعة المراقبة الدولية مزدهرة. وكان قد تم في وقت سابق من هذا العام استهداف باحثي "مختبر المواطن" الذين يبحثون في أنشطة "إن. أس. أو" من قبل ناشطين من القطاع الخاص، فيما بدا محاولة لإسكاتهم وتخويفهم.
لكن هذه القضية تتعلق أيضاً بأكثر من مجرد عمل حقوق الإنسان؛ إنها تسلط الضوء على تهديد الخصوصية الذي نتعرض له جميعاً. واليوم، تحدثت التقارير عن ثغرة أمنية في "واتساب" قد تعرض مليارات المستخدمين لهجمات من برامج التجسس التي تبيعها "إن. أس. أو". ولم تتمكن منظمة العفو الدولية من التحقق من هذه التقارير بعد، لكنها -إذا كانت صحيحة- تجسد مطالبنا للمحاكم الإسرائيلية بشكل كامل: لقد أصبحت مجموعة "إن. أس. أو" مارقة، ولا تمارس وزارة الدفاع الإسرائيلية أي إشراف أو رقابة أو لوائح مناسبة عليها.
بينما يُسمح لشركة "إن. أس. أو" بتسويق منتجاتها وبيعها من دون إشراف مناسب، فإنها تنمو بشكل أساسي لتصبح وكالة استخبارات دولية خاصة، والتي تسترشد فقط بالربح، بينما لا تخضع للمساءلة أمام أحد على ما يبدو. وتمتاز برامجها للتجسس بكونها قوية للغاية، لدرجة أن معظم الناس لن يعرفوا أبداً ما إذا كانت قد أصابت بعدواهم هواتفهم أو أجهزة حواسيبهم.
أنكرت "إن. أس. أو" مراراً وتكراراً استخدام برنامجها، "بيغاسوس"، لاستهداف المدافعين عن حقوق الإنسان. ومنذ تغيير ملكيتها في شباط (فبراير) من هذا العام، تحاول الشركة تنظيف صورتها وتقوم بشراء إعلانات بحث "غوغل"، كما قامت بإطلاق موقع إلكتروني جديد حيث تدعي أنها تتبع "نهجاً رائداً في تطبيق معايير أخلاقية صارمة على كل ما نقوم به". ولم يتم تقديم مزيد من التفاصيل، وهو ما يضفي بالكاد مصداقية على هذه المزاعم. وبالنسبة لأولئك الذين تتعرض سلامتهم للخطر بسبب مبيعات "إن. أس. أو" الشريرة، فإن هذا النوع من الابتذال لا يكفي. وسيشكل التماسنا اليوم خطوة أولى، والتي نأمل أن تضع في نهاية المطاف حداً لنشاطات لشبكة "إن. أس" أو" للمراقبة العالمية.
*نائبة مدير منظمة العفو الدولية.
*نشر هذا المقال تحت عنوان: Whatsapp hack: when spyware companies go rogue, no one is safe