قرض طويل البال

في عام بعيد، من الألفية التي "ذهبتْ مع الريح"، انتصفَ الشهرُ السادسُ قبلَ أنْ يكتَمِلَ القمر في دورته الأولى. كان أيَّامَها لي حبيبة أدللها: أشتري لها شريط "كاسيت" لـ"إيهاب توفيق"، نذهبُ مساء الخميس في مغامرة عاطفية إلى مدينة "الجبيهة الترويحية"، نأكل "ذرة مسلوقة"، ونشرب عصير ليمون بنكهة الماء البارد. وقبل أن يكتمل القمر، طلبت منِّي طلباً فوق طاقتي الخفيفة، قيمته تفوق خمسة دنانير حمراء: فقد وضعتْ عينها الواسعة على حذاء إيطالي "هجين"، في "فاترينه" بـ"شارع السعادة" الكئيب، ثمَّ وضعت علاقتنا في كفّ، والحذاء في قدمها!اضافة اعلان
كان حبُّها في قلبي عظيماً، وكان عليَّ أنْ أختارَ بلا تردُّدٍ: الموت على صدرها، أو أمام محلِّ الأحذية، فاقترضتُ عشرة دنانير زرقاء، خمسة للحذاء، والخمسة الأخرى لكماليات طرأت أثناء تثبيت حبِّنا في الكفِّ: جوارب نسائية من التي لا تظهر بريئة على القناة الثانية، "اكسسوارات" رخيصة لها لون الفضة المغشوشة، وجبة شاورما من المحل الأرخص مقابل التساهل بشروط الصحة العامة، والعودة بـ"تاكسي أصفر"، مع الاستماع القسري إلى أغنية شعبية مصرية تفيد أنَّ عليَّ الوقوفَ أثناء الكلام؛ لكنني فعلياً كنتُ قد بدأت الوقوع!
تزوَّجتُ التي لم تعد حبيبتي. ذهبَتْ جاهة متفاوتة الأطوال، إلى رجالٍ يفتعلون الوقار، حمل الصبية "الكنافة" والمشروبات الباردة، وعدنا إلى البيت المستأجر بـ75 ديناراً، المؤثث بغاز من عينين صغيرتين، وثلاجة من عدة أقدام أقلّ من قدمين، وغرفة نوم لا تؤدِّي كلَّ أغراض النوم، وتلفزيون صغير بريموت لا يصل لأبعد من "الشام"، وجملة نثريات استنفدت قرضاً صغيراً، من بنكٍ يخافُ الله، قال لي الموظف إنه سينتهي قبل الألفين بعامين وقمر مكتمل!
في عام ليس قريباً أنجبتُ طفلةً، ثمَّ طفلة أخرى، وثالثة، وعددا آخر، حتى جاء "شحادة"، الذي استغرق مجيؤه ثلاثة قروض ميسرة، تناسلت من القرض "العسير"، لتغطية أتعاب تعب الأطباء غير المختصين، والعرَّافات اللواتي تنبأن بقدومه في مواعيد متضاربة كخطوط الكفِّ، والمشايخُ الذين رأوه في مناماتهم يضحكُ بسنَّين لبنيَّين أثناء الشهر الثالث من ولادة "ختام". دخل "شحادة" المدرسة الحكومية، ودخل أيضاً "المدرسة" الخاصة، ومحل الألعاب الصاخبة، والنادي الخاسر، والسينما الفاحشة، حتى انتهى الأمر به إلى "مدينة الجبيهة الترويحية"، ولما أكل "الذرة المسلوقة"، كان "القرضُ" قد "استوى"!
اقتراض على قرض "طويل البال"، حتى تنتهي "نهاية" من الكلية، وتختم "ختام" علمها في المعهد المهنيِّ، وتكتفي "كفاية" بعريس "غفل" يبدأ حياته الكئيبة في المشي الثقيل بـ"شارع السعادة". سلفة إلى أنْ يكتمل "جدول القرض"، لعلاج دوالي الساقين لزوجتي الطيبة التي لم يكن يُبْكيها سوى ضحك "يونس شلبي"، وعملية خاطفة في قلبي الصغير الذي لم يصبه حزن أكثر من أنْ يُطيلَ "سعدون جابر" الغناء في "يا طيور الطايرة". عامٌ جديد، من الألفية التي لم تعد جديدة، ويشتري بنكٌ بموظفين باسمين، القرض من البنك الذي يخاف الله، بأرقامه الحرام.
طال البالُ عن المشي عشرين عاماً للوصول إلى "السعادة" في "الشارع"، موظفة البنكِ التي لا تبهجها "الدويخة" في "الجبيهة"، أخبرتني أن القرض سيمتدُّ ألفاً أخرى، وربَّما ألفية ثالثة، إذا قرَّرتُ "تنجيد" "الكنبة" لنوم التي اكتفت من العريس بـ"غفلته"، وشراء هاتف بكاميرا للتي لا محطة لقطارها، وأن أتركَ في جيب "شحادة" المثقوب ما يجعله يقرأ الفاتحة على قلبي الذي سيرحل مع "الطيور الطايرة". مرَّ العام، ولم تعد للألفية قيمتها من الأعوام، وجاء منتصف الشهر السادس في آخر الليل؛ ولا قمر!