قصّة سويسرا-حماس

باتت أنباء الوساطة السويسرية بين حركة "حماس" والإسرائيليين خبرا علنياً، لا ينكره أحد. والسؤال الأهم يبقى: هل هناك فرصة لموافقة إسرائيلية على "هدنة" رسمية مع غزة، ولماذا يمكن أن توافق الحكومة الإسرائيلية، بينما ترفض وتتذرع برفض الدولة الفلسطينية، بحجة علاقة القيادة الفلسطينية الرسمية مع "حماس"؟اضافة اعلان
كيف دخلت سويسرا على خط العلاقة مع "حماس"؟
الواقع أنّه منذ العام 2006 على الأقل، وقيادة "حماس" في قطاع غزة تحاول إحداث اختراق في دائرة الرفض الأوروبي. ومثلا، في العام 2006، رفضت السويد منح قيادات من "حماس"، منها صلاح البردويل ومحمد الرنتيسي، تأشيرة دخول. وكانت فكرة الزيارة حينها قد بدأت من أنصار للحركة يعيشون في السويد، وتحديداً مدينة مالمو. وقد اضطرت الحكومة السويدية إلى رفض الزيارة بعد إشارات موافقة أولية، لأسباب منها أنّ دخول السويد يعني دخول أوروبا بموجب نظام التأشيرة الموحد "التشنغن"، إذ احتجت فرنسا بشكل خاص حينها. وبالتالي، أرادت السويد تجنب أن تكون كمن فرض على أوروبا استقبال "حماس". وللسويد أهمية كبرى باعتبارها من أكبر المانحين للفلسطينيين، وكان المطلوب حينها، وقد تشكلت حكومة بقيادة "حماس"، محاولة فك الحصار على الفلسطينيين. لكن وزير شؤون اللاجئين في حكومة "حماس" حينها، عاطف عدوان، وصل جنوب السويد، ودعا لأن يكون للفلسطينيين دولة.
بحسب دراسة نشرها مركز الدراسات الأمنية في زيوريخ، بسويسرا، منتصف العام 2008، فإنّ حوارا جرى بالفعل بين مسؤولين سويسريين و"حماس"، وأنّ فرنسا تشجع ذلك بعد "مؤشرات تحول" في سياسات "حماس". وكان الحوار حينها ينصب على نقطتين، هما: كيف يجري التعامل مع متطلبات الحياة اليومية للفلسطينيين عقب الحصار المفروض على حكومة "حماس"؛ وثانياً، فرص التوصل إلى "هدنة" إذا نجحت مفاوضات أنابوليس. ويمكن الاستنتاج أنّ حقيقة كون سويسرا ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي، جعلها طرفا مقبولا للوساطة، لئلا يقال إنّ هذه سياسة أوروبية رسمية.
في العام 2009، خرجت أنباء مفاجئة عن أنّ وفداً من "حماس"، بقيادة محمود الزّهار، وصل جنيف وأجرى مباحثات هناك بناء على مبادرة مركز أبحاث مستقل. وكانت هذه الزيارة بعد نحو عام من نشر الزّهار مقالا في صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، عنوانه "لا سلام بدون "حماس"، فيما يتضح أنّه عدم رفض للسلام، ولكنه مطالبة لإشراك حركة "حماس" في العملية.
في مطلع العام 2012، زار وفد آخر من "حماس" سويسرا. وكان أبرز عناصر الوفد، الشخصية المتشددة في الحركة الدكتور مشير المصري، الذي تحدّث في اجتماع برلماني دولي، وفي محاضرة واحدة حاشدة على الأقل في جامعة سويسرية، وأعلن يومها عن لقاءاته مع "برلمانيين سويسريين ومسؤولين".
بهذه الخلفية، تبدو سويسرا مكافئا للعامل النرويجي في العلاقة بين منظمة التحرير الفلسطينية والإسرائيليين، وقد بدأت خيوط الوساطة النرويجية بين الرئيس ياسر عرفات  والاسرائيليين في السبعينيات (النرويج أيضاً ليست عضوا في الاتحاد الأوروبي).
إذا وضعت الوساطة السويسرية في سياق استراتيجية فلسطينية وطنية شاملة وموحدة، فيمكن أن تكون فعلا جزءا من محاولة إنهاء الحصار على غزة وتسهيل الوحدة الوطنية الفلسطينية، بما يتضمن أيضاً حل الخلافات بين "فتح" و"حماس" بشأن الإدارة الحكومية والأمنية. ولكن هذا لا يلغي السؤال: لماذا ترفض حكومة بنيامين نتنياهو الإسرائيلية، أي موقع لحماس في حكومة فلسطينية، بينما توافق على وساطة مع "حماس"؟ كذلك، لماذا يمكن أن تقبل اسرائيل بهدنة طويلة الأمد مع "حماس" تتعهد فيها بذلك، رغم أنّها تحصل في الوقت الحالي على الهدنة من دون مقابل؟
الإجابة هي ضمن أمرين: إمّا أن الاسرائيليين يناورون ويقطعون الوقت في التفاوض ومحاولة الحصول على تنازلات وتغير في خطاب وسياسة "حماس"، ثم لن يوقعوا شيئاً، ويكونون أيضاً قد أججوا عدم الثقة بين "فتح" و"حماس" بسبب هذه المفاوضات؛ أو أنّهم يعملون فعلا وفق سياسة تريد التعامل مع غزة منفصلة عن الضفة الغربية، وقد يسهلون انفصالها إدارياً وسياسياً، فيتخلصون من عبئها الديموغرافي، ويتفرغون للضفة الغربية، ويضعفون وحدة التمثيل الفلسطيني.
لكي تكون مثل هذه المفاوضات في مصلحة الفلسطينيين، لا يمكن إلا أن تكون ضمن استراتيجية فلسطينية موحدة متكاملة.