قطاع الطاقة: انطلاقة قوية يعيقها سوء التخطيط

Untitled-1
Untitled-1

قرار وقف المشاريع بسبب محدودية الشبكة غير مبرر

محدودية استيعاب الشبكة تحد لاستقطاب المشاريع الكبرى

اضافة اعلان

الحكومة استمرت باعتماد الطاقة التقليدية على حساب المتجددة

تراكم خسائر "الكهرباء الوطنية" يعيق تطور استخدام الطاقة المتجددة

رهام زيدان

عمان- بعد انطلاقة قوية لقطاع الطاقة المتجددة في الأردن بشكل وضع المملكة في مقدمة دول المنطقة في هذا المجال، ارتطم العمل بالقطاع بتحديات عدة، كان أهمها محدودية قدرة الشبكات على استيعاب الأحمال الكبيرة التي تنتجها مشاريعها على اختلاف أحجامها.
هذه الطاقة الفائضة نتجت، وفق خبراء، عن فتح الباب على مصراعيه لكل من يرغب في خوض غمار هذه التجربة والاستثمار فيها سواء من خلال المشاريع الكبرى التي يتم تحميل انتاجها مباشرة على الشبكة الوطنية أو حتى على مستوى الافراد والقطاعات الصغيرة التي تبنت انظمة لتوليد استهلاكها الخاص دون تخطيط بعيد المدى.
هذه المآخذ على الحكومات المتعاقبة على ملف الطاقة المتجددة منذ اصدار قانونها العام 2007، رافقها انتقادات لغياب الخطط الحكومية والأسس المنهجیة في هذا القطاع الذي أصبح يعاني من وفرة في العرض والاضطرار للبحث عن منافذ لتصريفها، تزامنا مع تعليق لأي مشاريع جديدة في القطاع.
الحكومة بدأت في العام 2017 من خلال شركة الكهرباء الوطنیة بتنفیذ مشروع الممر الأخضر بهدف توسعة الشبكة القومیة لتعزیز قدرتها على استیعاب الإنتاج المتسارع لمشاریع الطاقة المتجددة المنفذة إضافة إلى تلك التي ماتزال قید التنفیذ، ونقل هذه الطاقة من مواقع الإنتاج إلى مراكز الأحمال، في وقت یتوقع فيه أن یحمل هذا النظام ما یقارب 1000 میغاواط.
الخبراء الذين حاورتهم "الغد" طرحوا مقترحات رأوا فيها حلولا من شأنها المساعدة على التغلب على التحدي الرئيس أي محدوية الشبكات، أهمها تغليب استخدام الطاقة المتجددة في تلبية احتياجات المملكة من الطاقة والكهرباء على مصادر الطاقة الأخرى، خصوصا المستوردة منها، وذلك من أجل استيعاب انتاج هذا القطاع وتحفيزه وفي الوقت ذاته خفض الكلف التي تتحملها لقاء استيراد الطاقة.
ودعوا الحكومة إلى أن تركز في المرحلة الحالية على مشاريع تخزين الطاقة الكهربائية والربط الكهربائي وتخفيض الفاقد وكفاءة الطاقة باعتبارها أهم الاجراءات التي تعمل على خفض كلف الطاقة وتعزيز أمن التزود بها، والتفكير بأساليب واتباع أنظمة جديدة للمشاريع ذات النطاق المتوسط والصغير التي يتبناها المستهلكون لتوليد استهلاكهم الخاص وتحقق التوازن بين مصالحهم وفي الوقت ذاته تراعي مصالح شركات توزيع الكهرباء.
كما دعوا إلى ترك المجال للمستهلكين الاعتياديين للاستفادة من الطاقة المتجددة للتخفيف من أعبائهم، والتروي في مجال المشاريع الكبرى التي استحوذت على حصة كبيرة من الشبكة الكهربائية.
وتستعرض "الغد" في هذا الملف الفرص والتحديات التي تواجه قطاع الطاقة المتجددة.

اتفق خبراء أن تجربة المملكة في مجال الطاقة المتجددة كانت ناجحة جدا ببداياتها ووضعتها في مراتب متقدمة عالميا ، قبل أن تصطدم بعثرات كشفت عن غياب التخطيط الاستراتيجي بما يضمن استمرار تلك النجاحات.
وقال هؤلاء إن مشاريع الطاقة المتجددة سواء الكبرى منها لإنتاج الكهرباء وبيعها للشبكة الوطنية، أو على نطاق الاستهلاك الذاتي نجحت في بداية الأمر، وبعد صدور قانونها العام 2007، والذي تجسد في استقطاب استثمارات محلية وأجنبية مهمة، واقبال كبير قبل أن تضطر الحكومة إلى وقف هذه المشاريع "مؤقتا" وعدم استقبال طلبات جديدة للمشاريع التي تنتج أكثر من 1 ميجا نتيجة عجز الشبكة عن استقبال أي انتاج جديد.


في هذا الخصوص، قال رئيس مجلس ادارة جمعية ادامة للطاقة والبيئة والمياه د.دريد محاسنة "من المتوقع أن تغلب الحكومة استخدام الطاقة المتجددة في تلبية احتياجات المملكة من الطاقة والكهرباء على مصادر الطاقة الأخرى خصوصا المستوردة منها وذلك من اجل استيعاب انتاج هذا القطاع وتحفيزه وفي الوقت ذاته خفض الكلف التي تتحملها لقاء استيراد الطاقة".
وبين أن بداية العمل في مجال الطاقة المتجددة كانت ناجحة رغم أن اسعار شراء الطاقة المتجددة في الجولة الأولى لمشاريع العروض المباشرة كانت مرتفعة جدا، قبل ان تصل إلى مستويات متدنية جدا في الجولة الثالثة منها.
غير أن الحكومة استمرت في الاعتماد على مصادر الطاقة التقليدية كالنفط ومشتقاته والغاز على حساب الطاقة المتجددة، وهي بكلف أعلى بكثير، الأمر الذي أدى إلى تباطؤ في مجال الطاقة المتجددة والنتاج منها قبل ان تصدر الحكومة قرارا بوقفها مؤقتا بحجج الدراسات.
وقرر مجلس الوزراء في وقت سابق من العام الماضي وقف طرح عطاءات أو مشاريع عروض مباشرة أو تلزيم أي مشروع لتوليد الكهرباء من أي مصدر سواء المتجددة أو التقلدية"مؤقتا" لحين استكمال الدراسات التي تعكف وزارة الطاقة والثروة المعدنية على اعدادها.
واستثنى القرار المرحلة الثالثة من العروض المباشرة لمشاريع الطاقة المتجددة في حال أثبتت جدواها في خفض كلف الكهرباء.
وتضمن القرار أن يتم التركيز في المرحلة الحالية على مشاريع تخزين الطاقة الكهربائية والربط الكهربائي وتخفيض الفاقد وكفاءة الطاقة باعتبارها أهم الاجراءات التي من شأنها خفض كلف الطاقة وتعزيز أمن التزود بها.
كما قررت الحكومة وقف منح الموافقات الجديدة لمشاريع الطاقة المتجددة سواء بالعبور أو صافي القياس لأي مشروع تزيد استطاعته عن 1 ميجاواوط لحين انتهاء دراسات وزارة الطاقة، وفي حال تبين من خلال الدراسات امكانية زيادة قدرة مشاريع الطاقة المتجددة على الشبكة ، فإنه يتم تحديد اراض حكومية لغايات إنشاء هذه المشاريع على أن تعطى الموافقة على اقامة هذه المشاريع حسب التعليمات الناظمة من قبل هيئة تنظيم قطاع الطاقة والمعادن.
ورأى أن ذلك كله سيؤثر على قدرة القطاع على تحقيق احد اهم محاور استراتيجيته وهي رفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في خليط الطاقة الكلي إلى 20 % بحلول العام 2020.
قرار وقف المشاريع بسبب عدم محدودية الشبكة
واعتبر محاسنة أنه من غير المبرر وقف هذه المشاريع بسبب عدم قدرة الشبكات على الاستيعاب وان حل ذلك هو تغليب الطاقة المتجددة على حساب الغاز والوقود في انتاج الكهرباء ، وهما يستحوذان على 85 % من الانتاج حاليا، أو على الاقل جعل النسبة بين الطرفين متوازنة، أما مشكلة تذبذب انتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة ومقدرتها على أن تكون حمل اساس، قال محاسنة إن هذه العقبة يمكن تجاوزها أيضا من خلال الاستثمار في مشاريع تخزين الطاقة.
وأخطأت الحكومة ايضا بحسب محاسنة عندما رفعت الرسوم على السيارات الكهربائية الامر الذي سيحد من الاقبال على اقتناء هذه السيارات التي كان من الممكن أن يساعد انتشارها على تفريغ جزء من حمل الطاقة الكهربائية الفائضة.
أمر آخر لفت إليه محاسنة وهو أن استمرار تراكم خسائر شركة الكهرباء الوطنية لتصل إلى ما يقارب 5 مليارات دينار، يعيق أي تطور في مجال استخدام الطاقة المتجددة، خصوصا مع عدم قدرة الحكومة على خصخصة هذه الشركة.
وكانت الوزارة قالت في وقت سابق إن الأردن سیرفع اعتماده على الطاقة المتجددة في تولید الكهرباء المستهلكة اعتبارا من العام 2019 لتصل نسبتها إلى 16 % من الخلیط الكلي منها 10 % من الطاقة الشمسیة و6 % من طاقة الریاح، أما النسبة المتبقیة أي 84 %، فتنتج من الغاز الطبیعي، أما خلال العام 2020 یستحوذ مشروع الحرق المباشر للصخر الزیتي على إنتاج ما نسبته 11 % من حاجة المملكة من الكهرباء، مقابل 22 % من الطاقة المتجددة، والنسبة المتبقیة من الغاز، علما بأن نسبة مساهمة محطة الحرق المباشر في إنتاج الكهرباء ستزید إلى 13 % في العام .2021
من جهته، قال مدير المشاريع الأوروبية في الجامعة الأردنية د. أحمد السلايمة إن الاردن وصل إلى مرحلة متقدمة في محيطه في مجال الطاقة المتجددة خصوصا في ما يتعلق بنسبتها في الشبكة مقارنة بعدد السكان.
إلا ان ذلك، قابله تخبط في السياسات التي، وفقا للسلايمة، رأى بأنها لم تراع مصالح كل الاطراف ومثال ذلك حال شركات توزيع الكهرباء التي خسرت شريحة كبار من كبار المستهلكين والذي كانوا يعتبرون داعمين للتعرفة للشرائح ذات الاستهلاك المتدني، حيث خرج هؤلاء المستهلكون من الشبكة بعد تحولهم للطاقة المتجددة.
في هذا الخصوص قال إنه من المجدي اتباع نظام آخر في انتاج الكهرباء من الطاقة المتجددة من قبل المستخدمين وهو نظام تزويد الشبكة بمقابل تعويض مادي بالإبقاء على سعر تعرفتهم وحجم استهلاكهم من الشبكة على حاله.
واعتبر ان هذا النظام يحول دول التشوهات التي أوجدها الأسلوب المتبع حاليا من قبل مستخدمي الطاقة المتجددة لتوليد استهلاكهم الخاص، وهو نظام صافي القياس.
بالمقابل، مكنت هذه التجربة حتى الآن من بناء قدرات وخبرات محلية بالاستفادة من الخبرات العالمية التي دخلت القطاع في المشاريع المنجزة، معتبرا ان المرحلة المقبلة تتطلب زيادة الاعتماد على هذه الخبرات ، وكذلك التركيز على مدخلات الانتاج والانظمة المحلية بدلا من المستوردة.
وقال مدير المركز الوطني لبحوث الطاقة م.وليد شاهين إن تجربة الطاقة المتجددة لم ترتكز إلى تخطيط طويل الأجل الأمر الذي أدى إلى توقفها حاليا.
ورأى أنه كان من الاولى ترك المجال امام عدد أكبر من المستهلكين الاعتياديين للاستفادة من الطاقة المتجددة للتخفيف من أعبائهم ، والتروي في مجال المشاريع الكبرى التي استحوذت على حصة كبيرة من الشبكة الكهربائية.
وبلغت الاستطاعة الكلية المركبة لمشاريع توليد الطاقة الكهربائية من مصادر الطاقة المتجددة حوالي 1130 ميجاواط لغاية نهاية العام 2018 ، بما فيها مشاريع تخفيض الاستهلاك من خلال صافي القياس وعبور الطاقة، وتنتج هذه المشاريع حوالي 11 % من اجمالي الطاقة الكهربائية المولدة في المملكة.
ومن المتوقع أن تصل الاستطاعة المركبة من مصادر الطاقة المتجددة في المملكة ما يزيد عن 2400 ميجاواط في العام 2021 بما فيها مشاريع تخفيض الاستهلاك والتي تشكل حوالي 20 % من الطاقة الكهربائية المولدة.