قطاع الطاقة من تحديات إلى فرص

حمزة العلياني
حمزة العلياني

حمزة العلياني

مشكلات قطاع الطاقة الأردني هي امتدادٌ وتراكم لأخطاء قديمةٍ وحديثة في إدارة القطاع وغياب استراتيجية واضحة، يتجمع في تشكيل تعقيداتها المكون العام والخاص والوضع الداخلي والخارجي، مما يضعنا في مشهد شديد التعقيد أمام متلقيه ومحلليه، وذلك ما يجعل افتراض حلولٍ مباشرة وتقديمها على أنها في متناول اليد نوعًا من تجميل الواقع. لكن في نهاية المطاف الطويل، في تحليل الوضع العام وتعقيداته، علينا الاعتراف أن ما يهم فعلًا هو الثمن الذي يدفعه المواطن من رفاهه ومعيشته لتحريك مركبة او إشعال مصباحٍ كهربائي.

اضافة اعلان

أكدت رؤية التحديث الاقتصادي ضرورة وضع خريطة الطريق للتحول الى قطاع طاقة موثوق ومستدام ومستمر، واعتماد التكنولوجيا والحلول لخفض الانبعاثات، وإزالة الكربون، وتحقيق كفاءة الطاقة، والتنسيق بين قطاعات الطاقة وإدارة الطلب وتخطيطه، وترشيد تكلفة الطاقة وتقديم حوافر لتحول الطاقة والتقليل من الخسائر.

تقدر نسبة الطاقة المستوردة نحو 91 % من اجمالي الطاقة في الاردن، حيث تكلف الخزينة 2.5 مليار دينار سنوي وتشكل 8 % من الناتج المحلي الاجمالي، حيث يستغل قطاع الكهرباء 40 % من الطاقة، و60 % تستهلك في قطاعات النقل والصناعة والتدفئة. سجلت الإيرادات لفائدة خزينة المملكة من ضريبة المشتقات النفطية خلال العام 2021 ما قيمته 1.150 مليار دينار، إضافة إلى الضريبة المقطوعة، ثمة كلفٌ أخرى تحدد السعر النهائي للمشتقات النفطية، منها كلف الشحن البحري، وفواقد التخزين والنقل والتبخر، وعمولات شركات التوزيع ومحطات المحروقات.

الأردن أنتجت في عام 2021 حوالي 5.6 جيجاوات (1.6 جيجاوات من المصادر المتجددة)، كذلك بلغ إجمالي الكلفة الثابتة (كلفة بدل الاستثمار) التي دفعتها شركة الكهرباء الوطنية حوالي 375 مليون دينار، من دون دخول شركة العطارات لانتاج الكهرباء التي ستزيد العبء فيما يخص سعة التخزين، حيث يبلغ مجمل ديون الكهرباء الوطنية (5 مليارات دينار) وشركات المياه الحكومية (2.5 مليار دينار) حوالي 25 % من الناتج المحلي الاجمالي.

إن علاج التعثر الواضح في إدارة الطاقة يبدأ من خلال خطوات عملية تتمثل في تسريع إنجاز مشروع التوسعة الرابعة وتلبية احتياجات المملكة من المشتقات النفطية عبر تكرير النفط الخام المستورد من دول الجوار بشكل رئيسي، لما يتيحه ذلك من فرصٍ للتوظيف واكتساب خبرة أوسع في مجال التكرير، فضلًا عن التوفير في الكلفة، خصوصا اذا تم انشاء خط انابيب من الميناء او سكة حديد الى المصفاة.

كذلك يجب تطبيق قانون الكهرباء المعدل لسنة 2002 في المادة (48)، بخصوص إنهاء احتكار الحكومة لنشاط الطاقة، كمخرجٍ لمشكلات نموذج المشتري المنفرد المسبب للمخاطر والأعباء المالية الكبيرة على القطاع الحكومي، مما سيفتح المجال أمام التحول إلى أسواق تنافسية ترفع من مستوى الخدمة، ويقلص من دور الحكومة في إدارة ملف الطاقة، وهذا سيعزز التوجه نحو "كهربة الاقتصاد" وتبنى التكنولوجيا وأنظمة الشبكة الذكية الحديثة وبخاصة قطاع النقل، وأن نتحول من استخدام السيارات العادية إلى سيارات الكهربائية حتى نقلل كلف استيراد الطاقة، ومن خلالها نستطيع أن نبني البيانات ونطبق التعرفة الذكية وتعظيم الاستفادة من الكهرباء في اوقات النهار.

قطاع النقل بحاجة لثورة كبيرة، تتمثل في انشاء شبكة سكة الحديد الوطنية التي تعمل من خلال الطاقة الكهربائية المولدة من الطاقة المتجددة، وهنا فرصة كبيرة لإنشاء شركة وطنية تملكها تجمع شركات تضم شركة مناجم الفوسفات والبوتاس العربية وغيرها من الشركات الوطنية التي تستطيع ان تستغل حجم الارباح الكبير المتحقق من طفرة السماد العالمية وتطوير منظومة التصدير للتقليل من كلف النقل والانبعاثات الكربونية، هذه الشبكة ممكن ان تتطور لتشمل نقل المسافرين وقطاعات الزراعة والسياحة وتشبك جميع المناطق الصناعية.

إن إصلاح تشوهات قطاع الطاقة هو البديل الأفضل عن فرض ضرائب مرتفعة على مشتقات النفط والكهرباء مع فارق استراتيجي كبير؛ يحسن من الأداء المالي لشركات الطاقة ويلغي الحاجة لإبقاء الداعمين ضمن إيراد الدولة من الطاقة، ما سيفتح الأبواب لمشاريع الطاقة المتجددة للدخول على كافة القطاعات دون تخوفٍ من انخفاض إيراد الطاقة، وينعكس على نسب النمو على تلك القطاعات بتقليل كلفهم، وعلى تقليص في فاتورة الطاقة للدولة بتحويلها للاعتماد على مصادر محلية، وكذلك تحفيز القطاع الخاص للقيام بدوره.

المقال السابق للكاتب طاقة الهيدروجين في 2023