قطاف الزيتون .. موسم خير وعطاء

قطاف الزيتون في مزرعة بجرش - (تصوير: محمد ابو غوش)
قطاف الزيتون في مزرعة بجرش - (تصوير: محمد ابو غوش)

تغريد السعايدة

عمان- تتزاحم الأقدام تحت شجيرات الزيتون لدى عائلة أبوكامل زريق، لتنثر الفرح المترافق مع حبات الزيتون، في موسم يُعد الأفضل وأشبه بـ"الكرنفال العائلي".اضافة اعلان
أما الأطفال فيتراكضون هنا وهناك في المزرعة وكلهم فرح وسعادة مع أهاليهم، يلتقطون حبات الزيتون المتماطرة من الأشجار، ليصعد آخرون لـ"فرط الزيتون"، ليتشكل نسيج اجتماعي عائلي يتكرر سنوياً.
وتباشرُ العائلات الأردنية خلال هذه الفترة التي تمتد حتى قُبيل نهاية العام، البدءَ بقطف الزيتون، في موسم يعد صورة اجتماعية مميزة، تنتشر فيه العائلات تحت شجيراتها لتلتقط حبات الزيتون وكأنها قطوف من الذهب.
ومن ذلك ما تقوم به عائلة السبعينية أم هيثم نصار، التي تستيقظ باكراً لتقوم بفرش البلاستيك تحت أشجار الزيتون، حتى يسهل عليها وعلى معاونيها من أفراد الأسرة التقاط الزيتون، بدلاً من ضياعه على الأرض.
وتتحدث أم هيثم عن علاقتها الحميمية بأشجار الزيتون التي تجاوز عمر بعضها الثلاثين عاماً، وتصف تلك العلاقة بأنها ارتباط روحي يذكرها بأيام جميلة، وكأنها قامت بتربيتها مع أبنائها، وتعبر عن غضبها واستيائها عندما ترى أحدا يضرب أشجار الزيتون بالعصي لقطف ثمارها.
وما يميز هذا الموسم الذي ينتظره الصغار كما الكبار التقاء العائلات وتعاونها الذي يتجسد تلقائياً عند قطف أولى حبات الزيتون، كما في عائلة أبوكامل، والتي تلتقي سنوياً في تجمع عائلي يفرح فيه الكبار والصغار، في مزرعة تمتد مساحتها على مدى قرابة عشرة دونمات، تملؤها أشجارُ الزيتون، ويوجد فيها ما يزيد على 100 شجرة كبيرة وصغيرة.
وما يُفرح الستيني أبومحمود، تعاون أبنائه في أيام العُطل في قطف الزيتون، وحماس الصغار لمساعدة الكبار في أجواء مرحة تمتزج أحيانا بلعبِهم ولهوِهم وسعادتهم بالانخراط في جهد الكبار.
ويتحدث أبومحمود عن موسم قطف الزيتون، ويقول "موسم الزيتون يشكل فرحا وسعادة للعائلة"؛ إذ يعتبره الجميع موسم خير، وينتظرون نقاط الزيت وهي تتقاطر من المعاصر، فيحرص أبناء العائلة على الذهاب إلى المعصرة من أجل تذوق القطرات الأولى من الزيت.
وفي الوقت الذي قامت فيه العديد من العائلات بالمعايدة والتنزه خلال عطلة عيد الأضحى، سارعت عائلات أخرى إلى استغلال عطلة العيد لقطف الزيتون، وهي العملية التي عادةً ما تستمر لأسابيع عدة، عند الكثير من العائلات التي تملك مساحات شاسعة من الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون.
ورغم أن الكثيرين لا يحبذون قطف الزيتون في وقت مبكر، وينصحون بتأجيله إلى ما بعد شهر تشرين الأول (أكتوبر)، حتى يصبح أكثر نضوجاً، إلا أن عائلة موسى العايد قامت خلال عطلة العيد بقطف كميات كبيرة من الزيتون على جزء من مساحتها المزروعة، خاصة لاستخدامه في التخليل، أو "الرصيع".
ويقول العايد إنه أعدّ العدة مع أبنائه الخمسة وزوجته، لقطف الزيتون في الأرض المجاورة لمنزلهم، وهي عملية تتطلب أن تتفرغ العائلة ولوقت طويل لإنجاز هذه المهمة في أسرع وقت؛ إذ يخشى العايد أن يأتي فصل الشتاء مبكراً وبارداً فيصعب على العائلة القيام بهذه المهمة.
إلا أن العايد يؤكد أنه لم يفرض هذا "القيد" على أبنائه؛ إذ خصص أوّل يوم في العيد للاحتفال مع أبنائه، وزيارة الأقارب والجيران، والتمتع بأجواء العيد، وخاصة في الأجواء الدافئة التي رافقته. لكن العايد يؤكد أن العائلة ستتفرغ بعد ذلك للزيتون.
وفي هذا الشأن، ينصح المهندس الزراعي مروان الشيشاني، مزارعي الزيتون، بضرورة تأخير القطاف إلى ما بعد منتصف تشرين الثاني (نوفمبر)، لاعتبار هذه الفترة أفضل فترة للقطاف.
"أفضل موسم للقطاف فعلياً هو بعد الشتوة الأولى"، يقول الشيشاني؛ لأنها تساعد على زيادة نسبة الزيت في حبات الزيتون، من خلال سقيها بعلاً بمياه الأمطار، بالإضافة إلى أن ذلك يساعد على سهولة قطف الزيتون، إذ تعمل مياه الأمطار على غسل حبات الزيتون وأوراق الأشجار.
من جهته، يرى اختصاصي علم الاجتماع في الجامعة الأردنية، الدكتور سري ناصر، أن الناس يميلون عادةً إلى التواجد في تجمعات تتسم بالتعاون الجماعي، وهو ما نشاهده عادة في مجال العمل والمناسبات العامة، ومنها في موسم قطف الزيتون.
الستينية أم باسل التي تمتلك عددا من شجيرات الزيتون بالقرب من منزلها، تقول إنها كانت تنوي قطف ثمار هذه الشجيرات خلال عطلة العيد، حتى تستعين في ذلك بأفراد العائلة، فهي ترى أن قطف الزيتون بحاجة إلى التعاون، لأنها لا تستطيع الوقوف لساعات طويلة في قطف الزيتون أو التقاطه من الأرض.
تستعين أم باسل خلال هذه الفترة بأحفادها وأبنائها لمساعدتها على قطف الزيتون الذي عادةً ما يستمر من أسبوعين إلى ثلاثة أسابيع، وتعتقد أن فترة العيد كانت الفترة المثلى لذلك، لأن جميع أفراد العائلة في عطلة، ولديهم الوقت الكافي لمساعدتها.
وتشعر أم باسل بالكثير من الفرحة حين يجتمع الأبناء والأحفاد من أجل قطف الزيتون، والجلوس بعد ذلك من أجل تناول الغداء في الهواء الطلق، تحت شجيرات الزيتون، في أجواء من الفرح الممزوج بالتعب والإنجاز، وتقول "بالفعل هي شجرة مباركة في كل شيء".
ويبرر الشيشاني استعجال العديد من العائلات في قطاف الزيتون بتجمع العائلات خلال فترة زمنية معينة، كما في فترة العيد؛ إذ يحتاج قطاف الزيتون إلى تعاون الكثير من الأيادي. كما أن بعض المزارعين يتعمّدون الاستعانة بتجمع العائلة من أجل التخفيف من تكاليف عملية القطف في حال اللجوء إلى عمال لإنجاز هذه المهمة.
ويعتقد ناصر أن الناس يستغلون موسم قطاف الزيتون لسببين قد يكون أولهما التجمع والجلوس لساعات سوياً، يتحدثون فيها ويستذكرون مواسم قطف الزيتون في الأيام الماضية، مع ما يصاحب ذلك من سعادة ومرح، وخاصةً أن الكثيرين ممن يفضلون هذه التجمعات يعانون من ضغوط اجتماعية تدفعهم للبحث عن الألفة في داخل التجمعات التي تسودها أجواء عائلية، بالإضافة إلى سبب آخر، وهو العمل المشترك التعاوني الذي يحقق فاعلية أكبر.
وفي هذا السياق، يستعرض حسام مبارك ذكرياته السابقة التي تعود به إلى مواسم قطف الزيتون التي تتجدد سنوياً، ويرى في موسم الزيتون فرصة لكي يعاود الجلوس مع أبناء عمومته وإخوته، ليتحدثوا عن ذكرياتهم قبل سنواتٍ مضت.
ويُعد قطف الزيتون من الأعمال التي تحتاج إلى المساعدة و"العون"، وفي هذا الشأن، يعتقد ناصر أن الناس في المجتمع الأردني بشكل عام يتشاركون ويجتمعون في الكثير من أمور الحياة، كتناول الطعام سوياً، أو الجلوس معا، أو التشارك في عمل واحد، أو أداء الصلاة جماعةً، وفي كل ذلك محبة وودّ وتآلف.
ويؤكد ناصر أن التجمعات في موسم قطف الزيتون تعد من العادات الاجتماعية التي لم تندثر، رغم ما يشهده المجتمع من تحولات مادية ونفسية، ويعتقد أن وجود منفعة عينية أو مادية يعدّ من الأسباب التي أسهمت عبر الأجيال في بقاء هذه العادة الجميلة القائمة على التشارك والتعاون بين الناس.