قلعجي يستلهم من إعاقته السمعية بسمة أمل يرسمها على وجوه الأطفال

Untitled-1
Untitled-1

عمان- القوة التي يتسم بها الشاب هاشم قلعجي (27 عاما) جعلته قريبا من أحلامه، واثقا من خطوات التغيير التي يصنعها واختبار كل ما هو جديد، لكي يتقدم بتميز نحو أهداف يأبى أن يتخلى عنها رغم كل المعوقات. اضافة اعلان
أصر هاشم أن لا يعيش الآخرون معاناته، فقرر أن يستلهم من إعاقته السمعية سببا لرسم الابتسامة على وجوه أشخاص يتشابهون معه في الظروف، يحاول بكل إمكاناته أن ينتصر على خوفه وعلى شعور الخجل الذي يمنعه غالبا من أن يعيش حياته كما يريدها.
هاشم يعرف كيف يخلق من الوجع ابتسامة ومن الضعف قوة وقدرة على الإنجاز والعطاء، وهو اليوم يعمل محاسبا في إحدى شركات الشحن وصاحب مبادرة "سامعك" التي تهتم بأشخاص يواجهون مشكلات في السمع، تحديدا الأطفال، كذلك تقديم الدعم النفسي لمن يحتاجه والتركيز على تأهيل هؤلاء الأشخاص بالنطق والسمع.
في عمر الخمس سنوات تعرض هاشم لفيروس أدى إلى ارتفاع درجة حرارته، وأثر ذلك على عصبه السمعي، الأمر الذي تسبب له في مشكلات في السمع والنطق.
تحد كبير اختبرته عائلته في البداية، لكنهم وقفوا إلى جانبه ومنحوه الحب والاهتمام، وآمنوا بقدراته وبحقه في أن يكون كغيره شخصا قادرا على التفاؤل بالغد لديه تطلعاته وأمنياته.
يقول أن أكثر ما كان يزعجه وهو صغير الشعور بأنه مختلف عن باقي أقرانه فكان يرفض ارتداء السماعات تلافيا للإحراج، وكثيرا ما كان يلجأ إلى كسرها باعتبارها تعرضه للانتقادات والسخرية والتعليقات المهينة، عدا عن النظرات المحملة بالاستنكار تارة وبالشفقة تارة أخرى.
ويبين أنه عانى من التنمر داخل أسوار المدرسة وتحديدا من قبل الطلاب الذين كانوا يضحكون على كلامه لكون مخارج الحروف عنده غير مفهومة، مشيرا إلى أن عدم قدرته على التواصل معهم بشكل جيد ومشاركتهم الأحاديث من أكثر الأمور التي كانت تشعره بالخجل، وذلك لأن تأخره عن سماع ما يقولونه كان يبعده عن موضوعهم الأساسي ويخلق بينه وبينهم فجوة كبيرة.
المرات التي كان يرغب فيها بمجاراة زملائه والتفاعل مع أحاديثهم كانت تنتهي بالسخرية والاستهزاء فقط لمجرد أنه خرج عن مسار الحديث المفتوح.
غير أن تغلبه على الصعوبات الدراسية ما كان له أن يكون لولا دعم أهله واهتمامهم الكبير به، وتفهم معلماته، إذ أن اجتياز تلك المرحلة كان يعود بالفضل لوالديه الذين حرصا منذ البداية على التواصل مع المدرسة وتعريفهم بمشكلته وأيضا تخصيص مدربة نطق تقوم على معالجة مخارج الحروف لديه، مما ساعده كثيرا في التصالح مع ذاته ومع محيطه ليكون أكثر ارتياحا وتوازنا.
هو يرى أن الإصرار على العيش داخل الحياة يحتاج لتفهم أن العقبات ليست محصورة بمرحلة معينة، وإنما هي وقود النجاح ولكي "نستطيع أن ننجز ونبدع فلا بد لنا من مواجهة الصعاب".
ويلفت إلى أن المشكلات وصعوبة الاندماج تضاعفت عند دخوله الجامعة، فهي مختلفة عن المدرسة، وفرضت عليه أن يكون واعيا متيقظا قادرا على التأقلم مع جميع المنغصات ولديه مهارة البحث عن حلول باستمرار لأي مشكلة قد تباغته.
هاشم ولأنه استطاع أن يكون قويا واثقا متجاوزا لخجله وخوفه، بات أكثر تمكنا من قراءة واقعه والوصول إلى قناعة كاملة بأن الأمل حتى وإن خفت توهجه لا بد أن يأتي يوم ويستعيد فيه ألقه.
بحثه عن عمل بعد تخرجه من جامعة العلوم التطبيقية تخصص محاسبة، لم يكن أبدا أمرا هينا عليه فقد تعرض للرفض والتمييز والتجاهل وحتى الاستهانة بقدراته، وخاصة أنه لا يستطيع سماع الهاتف الأرضي السبب الذي دفع الكثير من الشركات إلى إقصائه وتهميشه.
لكنه صمم على كسر حاجز الخوف والتبعية ومتحللا من عقد نفسية تعادي الناجح وتقذف إنجازاته بالحجارة.
وجاءت مبادرة "سامعك" لأنه شعر أن هناك أشخاصا يستحقون أن يعيشوا بسعادة، وأن تبقى بسمة الأمل مرسومة على وجوههم الحالمة وتحديدا فئة الأطفال وذلك من خلال إخضاعهم للكشف المبكر وتأهيلهم نفسيا ليكونوا أكثر استيعابا لمشكلتهم مدركين لحقيقة واقعهم.
إلى ذلك، تزويدهم بالسماعات الخاصة والتي قد تكون مكلفة جدا لا يستطيعون تأمينها بمفردهم إلى جانب زراعة القوقعة لمن يحتاج لإنقاذ أكبر عدد ممكن من الأطفال وتجنيبهم مشكلات إضافية هم بغنى عنها كتلك التي تتعلق بالنطق، مبرهنا على أهمية الوعي المجتمعي والتخلص من تبعات الجهل التي غالبا ما تحرم أشخاص من أن تصان إنسانيتهم وتحترم إنجازاتهم فقط لأنهم جديرين بذلك وليس لأي معايير أخرى قد تكون في مجملها محبطة غير عادلة.