قلق وجودي إسرائيلي

تمرّ قضية فلسطين الآن بمنعطف، فإما أن تبقى منطلقة وحيّة إثر حرب غزة العظمى إلى أن يستعيد الشعب الفلسطيني كامل حقوقه في وطنه، وإما أن «تتمرمط» بالألاعيب السياسية وتنحرف عن الهدف وتنسى وتضيع. وهو ما ظلت إسرائيل تعمل له منذ نشأتها (الأميركية المنهج) إلى اليوم. ولعل حربها الهمجية الأخيرة على غزة العظمى كانت لهذه الغاية. وعليه يجب على الشعب الفلسطيني استثمار نتائج هذه الحرب بكل قوة ومهارة.
مناسبة هذا المقال مزدوجة، فهو يتحدث أيضاً عن الأجيال الثلاثة ذات العلاقة بالقضية وهي:
الجيل اليهودي المهاجر إلى فلسطين قبل الانتداب وفي أثنائه، الذي عاش أو تعايش مع الشعب الفلسطيني حتى سنة 1948، والجيل الفلسطيني الناظر الذي اضطر إلى ذلك، والجيل العربي الموازي لهما.
لقد انقرضت الأجيال الثلاثة تقريباً ولم يبق من كل منها إلا آحاد أو عشرات مسنة أو عاجزة لا تقدر على شيء سوى ترديد الذكريات للأجيال الجديدة. لقد حل محلها أجيال جديدة، ومنها الجيل اليهودي الحالي الذي ينكر تماماً بالتعليم المدرسي المؤدلج، تاريخ الشعب الفلسطيني، لدرجة اعتبار ما بقي منه فيها مجرد عمالة «عربية» وافدة مشاغبة ترفض العودة لبلادها العربية بينما يؤمن هو بالتعليم المدرسي المؤدلج والخطاب العام المؤكد أن فلسطين تاريخياً وواقعياً كانت وما تزال كلها له، وأنه لا يملك بلداً غيرها، مع أن هذه العمالة تملك 21 بلداً تستطيع العودة إليها.
ومع هذا وحسب إعلامه للمستغفَلين يتظاهر بالتسامح مع هذه العمالة العربية الوافدة، فقد أعطاها حقاً بالإقامة والمشاركة في الحياة السياسية التي لا يتمتع بمثلها أهلها في بلدانهم. لكنها تتمرد على الدولة وتجعل الحياة الإسرائيلية صعبة فيجب التخلص منها بالتهجير أو بالتدمير لتنعم بالهدوء والاستقرار والبقاء الوجودي الآمن والدائم.
إن هذا الجيل اليهودي هو الذي شن مئات الغارات الجوية والبرية والبحرية العنيفة على قطاع غزة مزمجراً ومدمراً، ضمّت إحداها 160 طائرة في أربعين دقيقة، لا مثيل لتلك الغارة في تاريخ الحروب الحديثة.
يقول بني سيفر من هذا الجيل على صفحته في فيسبوك بعد عودته من عزاء لقتيل يهودي في مستوطنة عوفرا «في طريقي نظرت إلى القرى الفلسطينية وإلى جانبها المستوطنات اليهودية، وفكرت بأن القتل عند الفلسطينيين هو نوع من الرياضة، أو المتعة، وربما بديل عن الجيش أيضاً. من هذه الناحية لن يكون لنا في أي يوم عامل ثقافي مشترك مع هذا الشعب السيئ، عديم الشرف الذي يعيش بين ظهرانينا فيجب أن نتمنى له فقط أن تبتلعه الأرض لأنه لا يستحق هذه الأرض المليئة بالدماء اليهودية التي سفكها».
وبني سيفر هذا هو أحد أهم الكتاب والمثقفين اليساريين في إسرائيل كما يفيد جدعون ليفي الشجاع الذي ذكرّه بأن جميع من قتلهم الفلسطينيون من اليهود في العقد الأخير 190 واحداً فقط، مقابل 5300 فلسطيني قتلتهم اسرائيل أي 1-18 « ( الغد في 30/8/2019).
باستثناء الأجيال أو التوائم الأردنية التي عاشت القضية وعرفتها واستشهد أبناؤها في ميادينها، فإن الأجيال العربية المناظرة تجهلها كلياً أو جزئياً بالتجهيل الممأسس. وقد انعكس ذلك في موقفها الرسمي والشعبي الباهت من الحرب الأخيرة في غزة، فبعضها للأسف وسوء الخلف والعلف يبرر موقفه بأكذوبة بيع الفلسطينيين لأراضيهم لليهود، وبعض آخر سخيف متسامح مع العدو «المسكين»، وبعض ثالث أسخف متعاطف معه، وآخر خائن متحالف معه.
لكن رد القطاع القوي على الهجوم الإسرائيلي «الفظيع» الصاع صاعين هز إسرائيل وهز جيشها، وضاعف من قلقها الوجودي الذي سنرى آثاره قريباً في فرار آلاف اليهود من فلسطين إلى بلدانهم التي غزوا فلسطين منها أو إلى البلدان التي يحملون جوازات سفرها. كما زلزل الأبعاض السابقة المهرولين والمطبعين والمتسامحين والمتعاطفين والمتحالفين المستميتين.
لقد أعادت حرب غزة العظمي أياً كان موقفك منها الوحدة إلى الشعب الفلسطيني المفرق والموزع، والقضية الفلسطينية إلى الواجهة، وأسقطت (نرجو إلى غير رجعة) مصطلح عرب إسرائيل أو عرب فلسطين أو عرب الداخل الذي تصر المدرسة والسياسة الإسرائيلية استراتيجياً على استخدامه، وحل محله فلسطين والفلسطينيون والشعب الفلسطيني على كل لسان في الغرب والشرق والاعلام.
وأخيراً: يوجد أمام اليهود في فلسطين حلاّن لا ثالث لهما: إما الرحيل إلى الاسكا لإقامة دولة عظمى هادئة في أرض بلا شعب ولشعب بلا أرض، وإما جنوب افريقيا الجديدة بعد سقوط الأبرثايد.


اضافة اعلان

في تفسير الفرق الشعبي الأردني من فلسطين وبقية الشعوب العربية منها أقول: إن الشعب الأردني والشعب الفلسطيني شقيقان بل توأمان، لهما روح واحدة، ووجع واحد، ومصير واحد. أما الشعوب العربية والشعب الفلسطيني فإخوة. والفرق كبير بين الشقيق أو التوأم والأخ.