قلوبنا على أم الدنيا

لست متشائماً من بركات حركة الشارع الثوري، لكن يدي على قلبي من أن التجارب تكشف أن نَفَس المصريين في الاحتجاج ليس طويلاً. حدث ذلك في أكثر من منعطف أيام الرئيس السابق أنور السادات، حتى وصل به الأمر إلى أن أطلق اسم "ثورة حرامية" على ثورة الجياع، وحدث أيضاً في زمن الرئيس حسني مبارك.

اضافة اعلان

أفزعني تقرير استخباراتي أميركي يكشف أن ما يجري في مصر هو "انقلاب هادئ دبّره جنرالات في الجيش" لإنقاذ نظام الرئيس مبارك، الذي تطالب مظاهرات شعبية منذ أسبوع بإسقاطه.

ويوضح التقرير -الذي نشره مركز التنبؤات الاستخباراتية، وترجمه مركز دراسات وتحليل المعلومات الصحفية- أن "ما يجري على الأرض انقلاب هادئ دبّره جنرالات في الجيش لإنقاذ النظام وتيسير خروج صديق قديم لهم منه"، في إشارة إلى مبارك، الذي قال التقرير إنه تجمعه صداقات مع قيادات الجيش.

وقال إن قادة القطاعات المسلحة الذين يسيّرون البلاد ربما يقررون أن "عبء مبارك بات أثقل من أن يحتمل إذا ما كانوا يريدون إبقاء النظام".

ويتابع التقرير الاستخباراتي بالقول إن مبارك قال لهؤلاء الجنرالات إنه "لا ينوي التخلي عن السلطة مثل مجرم هارب بعد حوالي نصف قرن" أمضاه فيها، وإنه "سيتنازل عن السلطة بمحض إرادته بعد أن تهدأ الأوضاع".

وخلص التقرير إلى أن جنرالات الجيش المصري يدركون أن استقالة مبارك بفعل الضغط قد تهدد النظام، ولذلك أجابوه إلى طلبه، وهم يريدون أن يتم هذا الأمر بطريقة منظمة.

وأضاف التقرير أن التطورات التي تشهدها الساحة المصرية تشير إلى ميل متنامٍ يُظهر أن الجيش المصري يتدخل بشكل مباشر في الشؤون السياسية للدولة، مؤكداً أنه "ينبغي مراقبة شخصيتين رئيسيتين في القوات المسلحة، هما رئيس الأركان الفريق سامي عنان ووزير الدفاع محمد حسين طنطاوي".

وقال إن السؤال الأساسي المطروح الآن هو: "هل يملك الجنرالات سيطرة كافية على الوضع لفرض هدوء نسبي يدوم أسبوعاً لإفساح المجال أمام مبارك لتقديم استقالته طوعاً، أم أن الوضع سينفجر؟".

ويجيب التقرير: "نحن أمام احتمالين؛ إذا امتلأت الشوارع بحشود متعاظمة في عدة مدن تكون النتائج غير مؤكدة، وإذا اكتظت بالجنود وأغلقت دون المتظاهرين فسوف تنجح الخطة".

ويعتبر أن "ميل الجيش إلى التأكيد على دوره في حكم مصر ليس جديداً، حيث طالب أعضاء من الحرس القديم مثل عنان وطنطاوي الرئيس مبارك بعد أن اشتدت أزمة الخلافة في مصر في الشهور الماضية بالتخلي عن خطته بتوريث نجله جمال منصب الرئاسة".

هذا رأي الأميركيين، أما الروس فيقول فيتالي ناؤمكين مدير معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية: إن احتمال إسقاط السلطة في مصر على غرار ما جرى في تونس أمر ضعيف، لأن الأوضاع في مصر تختلف عن الأوضاع في تونس، والسلطة في مصر تمسك بزمام الأمور بشكل جيد، بحيث لا تسمح بحدوث انقلاب.

تجربة مصر مختلفة تماماً عن التجربة التونسية النموذج، والتي ماتزال الثورة الشعبية فيها تتوالى فصولاً، وتنتقل بتحركاتها الجماهيرية من مرحلة إلى أخرى، في خطوات متسلسلة، تحت شعارات واضحة وصريحة وشجاعة، نجحت في إقصاء الرئيس السابق زين العابدين بن علي عن رأس الدولة، وإرغامه على الرحيل عن البلاد، هو وأفراد عائلته وعائلة زوجته.

ولا ينكر متابعو ثورة تونس أن يكون للجيش، بقيادة رئيس أركانه الجنرال رشيد بن عمار، دور كبير في "إقناع" بن علي بالرحيل عن البلاد، نحو منفاه في السعودية.

ثورة 14 كانون الثاني (يناير) 2011، ثورة الخبز والديمقراطية في تونس، حفرت لنفسها مساراً من الصعب التراجع عنه أو الالتفاف عليه، والشعار المرفوع: تونس لن ترجع إلى الوراء، لا تراجع عن مطلب الخبز والديمقراطية.

في تونس لم تظهر رموز للتحرك الشعبي، على عكس الحراك المصري الذي يستعد بعضهم لركوب موجته وإدارة دفته، وطبعاً.. منهم البرادعي وأيمن نور!

[email protected]