قمة الرياض

قبل نحو ثلاثة أسابيع من انعقاد القمّة العربية في الرياض، يصحّ التساؤل هل يمكن لمثل هذه القمة أن تقدّم او تؤخر، أم أن الوضع العربي سيظلّ يراوح مكانه، بل يتّجه نحو الأسوأ في ظل غياب القدرة على اتخاذ قرارات جريئة تتسم بالوضوح وتسمّي الأشياء بأسمائها سواء كان ذلك على صعيد العلاقات العربية- العربية أو العلاقات العربية- الإيرانية أو على صعيد ما يحصل في كلّ من فلسطين والعراق ولبنان؟

اضافة اعلان

آن أوان تحقيق نقلة نوعية على صعيد التعاون بين العرب وطريقة الحوار بينهم. فعلى سبيل المثال لا مفرّ من مقاربة جديدة لكيفية التعاطي مع مبادرة السلام العربية التي أقرّتها قمة بيروت في العام 2002، فيما كان الزعيم التاريخي للشعب الفلسطيني الشهيد ياسر عرفات في الإقامة الجبرية في رام الله بأوامر من أرييل شارون. لم يستطع "أبو عمّار" المجيء إلى بيروت لأسباب اسرائيلية. ولكن ثمّة حقيقة أخرى، لا يوجد من يستطيع دحضها، تتلخّص بأن بعض العرب كانوا يعرقلون عملية انتقال الزعيم الفلسطيني الراحل إلى العاصمة اللبنانية. وعمل هؤلاء كلّ ما في استطاعتهم من أجل الحؤول دون بث خطاب "ابو عمّار" عبر الأقمار الأصطناعية داخل الصالة اتي انعقدت فيها القمّة. من عرقل البث وقتذاك، يتاجر حالياً بالزعيم الفلسطيني الراحل ويتظاهر بأنّه حزين عليه! يبدو أنّ لا حدود للتكاذب العربي- العربي ما دام مطلوباً في كلّ الوقت تصفية الحسابات مع هذا الطرف أو ذاك من دون أي اعتبار لما يمكن تسميته المصلحة العربية العليا على المدى البعيد، وما دام معظم العرب لا يدركون أنّهم جميعاً في مركب واحد وأن غرق المركب يعني غرق الجميع، غرق الأغنياء مع الفقراء... مع متوسّطي الحال.

لا وجود لمبادرة سلام عربية حقيقية من دون آلية للتنفيذ. لا يكفي التوصّل إلى مثل هذه المبادرة التي تتضمن، نظريّاً، ايجابيات كثيرة من دون التوجه إلى الطرف الأساسي المعني بها أي اسرائيل التي تحتلّ الأرض العربية وتصادر الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني. لا يمكن التوصل إلى السلام سوى عبر طريقين؛ الأوّل هو القوة التي تفرض السلام على من لا يريد السلام. هل الجيوش العربية تحاصر القدس وتل أبيب وحيفا ويافا وصفد أم أن الجيش الاسرائيلي هو الذي يمارس الإرهاب يومياً في قطاع غزّة والضفة الغربية بكاملها؟ في غياب القوّة العربية التي تفرض تنفيذ المبادرة! إذن لا بدّ من اعتماد طريق أخرى لتسويق خطة السلام العربية. تلك الطريق تتطلّب شجاعة معيّنة تتمثّل بتشكيل وفد عربي يسأل الاسرائيليين: هل هم معنيون بالمبادرة؟ وهل من سبيل للبحث الجدي في تطبيقها؟ فلا وجود لشيء اسمه مبادرة من أجل المبادرة ولا وجود، أقلّه في ظل التوازنات السياسية والعسكرية القائمة في المنطقة والعالم، لهامش يسمح بإطلاق بالونات سياسية من أجل كسب الوقت ليس إلاّ. الوقت لا يعمل في مصلحة العرب. وكلّما مرّ يوم، تخلق إسرائيل واقعاً جديداً على الأرض بهدف تكريس احتلالها لقسم من الضفّة الغربية.

تتجه قمّة الرياض إلى إعادة الحياة إلى مبادرة السلام العربية. يمكن أن يكون ذلك أمراً جيّداً في حال إقرار آلية تسمح بالتوجه إلى الطرف الآخر المعني بالمبادرة بدل تجاهله. في النهاية، يتحقق السلام بين الأعداء وليس الأصدقاء. لو لم تكن إسرائيل عدوّاً يحتلّ الأرض لما كان هنالك حاجة إلى سلام معها، على غرار ما فعلته مصر التي وقعت معاهدة في العام 1979، والمملكة الأردنية الهاشمية التي توصّلت إلى اتفاق وادي عربة في العام 1994.

أبعد من ضرورة المناقشة الصريحة لمرحلة ما بعد تأكيد العرب التمسك بمبادرة السلام العربية، فلا مفرّ من التعاطي مع الموضوع الإيراني بكلّ جدّية. ولا شك أن الزيارة التي قام بها الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد يوم السبت الماضي للرياض في غاية الأهمّية. لكن السؤال الذي سيظلّ مطروحاً كيف التفاهم مع النظام في إيران من أجل تفادي أي مواجهة من أيّ نوع كان في المنطقة، فالمخاطر التي ستنجم عنها لن تقتصر على إيران وحدها، بل ستطال كلّ دول المنطقة أيضاً؟

أظهر النظام الأيراني حتى الآن حدّاً ادنى من التعقّل، بعدما بدأ يعي ما يمكن أن يترتّب على اثارة الغرائز المذهبية، أكان ذلك في العراق المقسّم أو لبنان. كان استيعاب طهران لخطورة حصول مواجهة ذات طابع سنّي- شيعي في لبنان وراء لجم طهران لـ"حزب الله" الذي حدّ من تصرّفاته في الشارع البيروتي.

يفترض في القمّة العربية أن تأخذ في الاعتبار ما بدر عن طهران من ايجابيات على الصعيد اللبناني، لكن من دون تجاهل وضع النقاط على الحروف، اكان ذلك بالنسبة إلى ضرورة وقف التدخل في الشؤون اللبنانية أو تفكيك الدويلة المذهبية التي أقامها "حزب الله" في لبنان من منطلق أن مثل هذه الدويلة لا تخدم سوى المشاريع الهادفة إلى تقسيم دول المنطقة على أسس مذهبية وطائفية.

من مصلحة العرب استيعاب إيران وابقاء الجسور والقنوات مفتوحة معها وتفادي أيّ مواجهة في المنطقة. لكنّ من مصلحتهم أيضاً القول لها صراحة أن برنامجها النووي لن يقود سوى إلى سباق تسلّح في الشرق الأوسط يشكلّ خطراً على الجميع، في وقت لا بدّ من أن تنصبّ الجهود على أن تكون المنطقة كلّها، بما فيها إسرائيل، خالية من أسلحة الدمار الشامل. هل تستفيد القمة العربية من اللقاء السعودي- الإيراني وتوظفه حيث يجب أن يوظّف، أم يكون مجرّد فرصة ضائعة أخرى، حتى لا نقول مناورة أخرى للنظام الإيراني الساعي إلى حماية حليفه السوري من مفاعيل المحكمة ذات الطابع الدولي المتوقع أن تنظر في قضية اغتيال الرئيس رفيق الحريري.

إمّا قمة تقول كلاماً جريئاً أو لا داعي لقمة عربية في الرياض أو غير الرياض. لا معنى لمبادرة عربية من دون آلية واضحة. لا معنى لعلاقة مع إيران من دون كلام دقيق وواضح في شأن كلّ تصرّفات النظام، من العراق، إلى لبنان، إلى اليمن، إلى البحرين... إلى البرنامج النووي، إلى مخاطر إثارة الغرائز المذهبية.

ولا معنى حتى لحضور سوري للقمة إذا لم يكن هناك موقف عربي واضح يدعو دمشق إلى التوقف عن اللعب على الكلام وعن إدارة حرب أهلية على نار هادئة في لبنان.

 يفترض في المحكمة ذات الطابع الدولي أن تكون مطلباً عربياً، لا مجرّد مطلب لبناني تتبنّاه الحكومة الشرعية التي يرئسها فؤاد السنيورة. وفي حال اعترض الرئيس بشّار الأسد على المحكمة، لا بدّ من أن يقف زعيم عربي ويقول له أن البريء لا يخشى لا المحكمة ولا العدالة! أكثر من ذلك، يفترض في العرب الدعوة إلى ترسيم الحدود السورية- اللبنانية وإلى تبادل التمثيل الديبلوماسي بين البلدين من زاوية الحرص على مصلحتهما المشتركة، وليس على مصلحة دويلة "حزب الله".

في حال كان مطلوباً أن يكون لقمة الرياض معنى من الناحية الفلسطينية، فلا مفرّ من أن يبلغ العربُ الفلسطينيين أن لا أهمية لاتفاق مكّة المكرّمة في حال الإصرار على فوضى السلاح وعلى الهرب من تشكيل حكومة تلتزم برنامجاً سياسياً واضحاً يوافق عليه المجتمع الدولي.

إذا لم تكن هذه أيام المواقف الجريئة عربيّاً، متى سيتجرّأ العرب على قول الحقيقة والتعاطي معها؟!

كاتب لبناني مقيم في لندن