قمة العشرين واحتمالات انهيار اليونان

قمة العشرين انعقدت في "كان" الفرنسية في لحظة توشك اليونان فيها على إعلان إفلاسها. وهو الأمر الذي سيفتح على انهيار اليورو، وتفكك الاتحاد الأوروبي. فالإفلاس يعني الانسحاب من منطقة اليورو، كما يعني إفلاس عشرات البنوك الأوروبية (الفرنسية والألمانية خصوصاً) التي هي الدائن. ولهذا، تسارع البلدان الرأسمالية لإيجاد مخرج من هذا الكابوس الذي يفتح على إفلاسات أخرى لبلدان مثل إسبانيا وأيرلندا والبرتغال، وربما إيطاليا. وبالتالي يفتح على انهيار مالي كبير يطال النمط الرأسمالي ككل.اضافة اعلان
هذا يدخلنا من جديد في دورة الأزمة التي باتت تلف بها الرأسمالية. فقد حدث الانهيار المالي في أيلول (سبتمبر) 2008 على ضوء الإفلاس الذي طال قطاع العقارات في أميركا، والذي هدد بإفلاس أهم البنوك والمؤسسات المالية الأميركية والعالمية. وها أن الأمر ينتقل إلى دول ليس من بلدان العالم الثالث بل من أوروبا، والذي يهدد بدوره البنوك والمؤسسات المالية، ليصبح السؤال: من سينقذ الآن هذه البنوك؟ أميركا راكمت مديونية بلغت ما يقارب 16 تريليون دولار، أي أكبر من دخلها القومي، وفرنسا تعيش أزمة لا تسمح لها بإنقاذ أحد. ربما ألمانيا، لكنها لا تستطيع حمل هذا العبء الهائل من الديون على بلدان جنوب أوروبا. لهذا تصبح الصين هي الملجأ الأخير، حيث إنها تمتلك احتياطاً هائلاً من الدولارات واليورو (ربما يصل إلى 3 تريليونات دولار)، ولقد دخلت على خط هذه البلدان من قبل إسبانيا. لكن ذلك يستلزم فهم ما تريده الصين إذا أقدمت على هذه الخطوة. فهي لن تقدّم ديوناً لبلدان تشرف على الإفلاس من دون أن يكون في تصورها فرض هيمنة ما، أو تحقيق مكتسب اقتصادي معين.
في كل الأحوال، ليست المسألة الآن هي كيف تحل الأزمة، وليس هذا ما يعنينا. ربما كنا مع أن تصل هذه البلدان إلى الإفلاس بعد أن باتت تنهب شعوبها، وتعمل على حل الأزمة من خلال سياسة تقشفية قاسية. فربما يفضي كل ذلك إلى نهوض الصراع الطبقي من جديد، ويفضي إلى تجاوز الرأسمالية، فهذه بلدان قادرة على أن تتجاوز الرأسمالية، سواء لأنها بلدان صناعية، أو لأنها تمتلك طبقة عاملة قوية، ومستوى من التطور الثقافي كبير، كما تمتلك أحزابا ونقابات.
لكن ستحاول البلدان الإمبريالية أن تنقذ اليونان، وأيضاً أن تجد حلاً لكل البلدان الأخرى التي راكمت مديونية تصل إلى 200 % من دخلها القومي (اليونان 160 %، وبقية البلدان ليست في وضع أحسن). حتى اليابان تعيش هذه الإشكالية، حيث تصل مديونيتها إلى 13.5 تريليون دولار، ودخلها القومي لا يتجاوز 5 تريليونات دولار. لكن ما يساعدها هو أن معظم مديونيتها هي مديونية داخلية، وليست للبنوك العالمية. وهو وضع لا حل له، لأن فوائد هذه الديون تشكل عبئاً هائلاً على الدولة، يجعلها تنهب المجتمع من أجل تسديد هذه الفاتورة فقط.
المشكلة في النمط الرأسمالي هي أنْ لا أحد من هذه البلدان قادر على السماح بانهيار البنوك المدينة، لأنها باتت عصب النمط الرأسمالي، والمركز الذي يستحوذ على الكتل الهائلة من المال الذي بات ينشط في ما هو "غير اقتصادي" بل "مالي"، أي يتعلق بالمضاربة والديون والمشتقات المالية، والتي هي كلها بيع مال بمال وجني أرباح هائلة، من دون حاجة للمرور بالاقتصاد الحقيقي، أي الصناعي والزراعي، وحتى التجاري والخدمي.
بهذا ستكون هذه الحالة مظهرا من أزمة أعمق، هي أزمة النمط الرأسمالي ذاته، الذي بات المال فيه يهيمن على الرأسمال.

[email protected]