قوة ترامب العالمية

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب - (أرشيفية)
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب - (أرشيفية)

أندرو شنغ؛ وشياو جينغ*

هونج كونج- تم بذل جهد كبير لتفسير نصر دونالد ترامب غير المتوقع في الانتخابات الرئاسية الأمييكية. لكن أبسط تفسير ربما يكون هو الأكثر دقة: لقد تم خداع خصوم ترامب. فمن وزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون، التي كانت بالفعل المرشح الأوفر حظاً للفوز، إلى الجمهوريين الذين عارضوا ترشحه، قلل معظم الناس من شأن الرئيس المنتخب للولايات المتحدة. ولا ينبغي أن تكرر القوى العالمية، ولاسيما في آسيا، نفس الخطأ.اضافة اعلان
خلال الحملة الإنتخابية، أدرك ترامب من هي كلينتون: ذكية ومتمرسة، لكنها تفتقر إلى مكره وحب التباهي لديه. حتى أنه قام بحملة في ولايات ادعى العديد أنها شكلت مضيعة للوقت، بينما تبنت كلينتون استراتيجية تعتمد على البيانات. وقد مكنها أسلوبها من الفوز بما يزيد على 2.7 مليون صوت أكثر من ترامب. لكن نهجه مكنه من الفوز بالرئاسة.
الآن، يستعد ترامب لأخذ زمام السلطة، وهو يستخدم العديد من نفس التكتيكات التي استخدمها خلال الحملة الانتخابية، من خلال إعطاء الأولوية للقاءات الجماهيرية على حساب المؤتمرات الصحفية، والمشاركة في العرض الكوميدي الأميركي "ساترداي نايت لايف" بدلاً من التركيز على الأزمة المتصاعدة في سورية. وفي الوقت نفسه، يحاول تغيير الدبلوماسية الأميركية، وربما كان أبرز ما فعله هو تلقي مكالمات هاتفية من الرئيس الفلبيني رودريغو دوتيرتي والرئيسة التايوانية تساي إنغ ون. وبدلا من السماح لترامب بصدم العالم مرة أخرى، يجب علينا معرفة طريقة تفكيره.
يجب على كل شخص يتعامل مع ترامب أن يعتبره الأمير الميكافيلي الأخير، الذي يعمل من أجل المصلحة الذاتية الصرفة. ووفقا لميكافيللي، فإننا "نستمد الرأي الأول الذي نكونه عن الأمير وعن طريقة تفكيره، من خلال مراقبة الرجال المحيطين به". ولتحديد خطط ترامب، ينبغي أن نبدأ بتفحص التعيينات التي قام بها.
بسرعة، تُظهر تعيينات ترامب لمسؤولين في الأمن الوطني، والدفاع، والأوضاع السياسة الخارجية، نمطاً واضحاً: كلهم متخصصون في الشرق الأوسط وروسيا. ويبدو أن ترامب يخطط لعكس نهج أسلافه الذي كان يهدف إلى عزل روسيا. وبدلا من ذلك، سوف يستخدم روسيا لمساعدته في إدارة منطقة الشرق الأوسط.
بالنسبة لترامب، الذي يُعتبر رجل الأعمال الأول، فإن السماح للمنافس بتولي أمور أعدائه يبدو جيداً لتحقيق النجاح. (وذلك يؤكد نيته المعلنة إجبار حلفاء الولايات المتحدة على دفع ثمن حمايتها لهم). ويبدو أن ترامب يتعاطف مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، التي تعتقد معظم أجهزة الاستخبارات الأمريكية أنه تدخل في الانتخابات لمساعدة ترامب.
لكن أسباب –ونتائج- إعادة تمحور ترامب في اتجاه روسيا تتجاوز منطقة الشرق الأوسط. وتستفيد كل من الولايات المتحدة وروسيا من ارتفاع أسعار النفط، في حين أن دولاً مثل الصين واليابان تعاني من ذلك. ويمكن لروسيا أيضاً أن تضغط جغرافيا على الصين -بل وبقية دول آسيا. (لاحظ مدى سرعة تقارب اليابان والصين). وأخيراً، قد تكون روسيا هي القوة التي تحفز أوروبا لتحمل المزيد من المسؤولية للدفاع عن نفسها.
سوف تنعكس سياسات ترامب الاقتصادية على جميع أنحاء العالم، بما في ذلك آسيا. كما بدأ الكشف عن تعيينات أعضاء في حكومته. وقد اختار ترامب ثلاثة موظفين سابقين في شركة جولدمان ساكس لقيادة فريقه الاقتصادي -نعم، نفس جولدمان ساكس التي شجبها ترامب أثناء الحملة الانتخابية. وكان وعده "بتجفيف المستنقع" من المحسوبية والفساد، مجرد تكتيك، وليس جدياً، كما يشير وعده إلى أن رفع القيود وخفض الضرائب سيكونان من بين الوعود الانتخابية القليلة التي سيفي بها ترامب. ومن غير المرجح أن السياسات الرامية إلى تقييد البنوك الكبرى -وأبرزها، تشريع الإصلاح المالي  "دود- فرانك" في 2010- سوف تطبق خلال رئاسة ترامب.
في واقع الأمر، لا يرى ترامب وفريقه مشكلة في البنوك الكبرى التي يستحيل فشلها. بل إنهم، على العكس من ذلك، يطبقون نفس المنطق في ميزانية الولايات المتحدة، مع العلم أن العالم ليس لديه خيار سوى مواصلة إقراض الولايات المتحدة، حيث سيرفع ترامب ببساطة عجز وديون الولايات المتحدة، عن طريق خفض الضرائب والإنفاق على البنية التحتية.
على عكس ادعاءات بعض المتشائمين، قد تنجح سياسات ترامب الاقتصادية حقاً. ومع استثمار كاف في البنية التحتية -وبمساعدة أسعار الفائدة الحقيقية السلبية- قد ينجح ترامب في إنعاش نمو الإنتاجية والناتج المحلي الإجمالي بما يكفي للحد من عبء ديون أميركا من حيث القيمة الحقيقية. ويكمن مفتاح النجاح في التحكم بارتفاع قيمة الدولار الأميركي، التي وصلت إلى أعلى مستوياتها خلال 13 عاماً منذ الانتخابات.
ليس الدولار المرتفع مفيداً لآسيا أيضاً. فعندما يكون الدولار منخفضاً، تقوم الشركات متعددة الجنسيات بالاقتراض بالدولار لتمويل أعمالها في الأسواق الناشئة، والتي تدر عوائد أعلى بالعملة المحلية. لكن الحمل الإيجابي -أعلى العائدات بالعملة المحلية وانخفاض تكاليف الدولار الأميركي- سيفيد الجميع، وخصوصاً الأسواق الناشئة التي تستفيد من ارتفاع الصادرات وتدفقات رأس المال المتزايدة.
ولكن، عندما يشرع الدولار في الارتفاع، يبدأ العد العكسي. وتجعل العملة الأجنبية والائتمان المنتشرَين بشكل واسع في عملات الأسواق الناشئة، التجارة مكلِفة. (يُصرف ما لا يقل عن 40% من التجارة المادية العالمية بالدولار الأيمركي، والتي تُمثل 60% على الأقل من التدفقات المالية).
في نهاية المطاف، قد تبدأ الأسواق الناشئة بالاستثمار بالدولار، لأن نسبة التقدير أعلى من ربح التجارة، مما يزيد من ارتفاع قيمة الدولار. ويعزز تصاعد التوترات الجيوسياسية هذه الدوامة، كما يُمثل الدولار الاستقرار، خصوصاً في حين يشير المجلس الاحتياطي الاتحادي الأميركي إلى تسوية أسرع لأسعار الفائدة.
كما هو واقع الحال، تعان جميع العملات الآسيوية تقريباً، بما فيها الين والرنمينبي، من الإكراه. وقد اتخذ كل من بنك اليابان المركزي وبنك الشعب الصيني خطوات في محاولة للحد من هذا الخفض، مع تأثير ضئيل. وتعاني الاقتصادات الناشئة على نطاق أوسع من انخفاض أسعار السلع الأساسية، والتي يجري كبحها بسبب انخفاض الطلب. إلا أن استمرار صعود الدولار سيزيد من حدة هذه المشاكل.
ولكن ترامب وزملاؤه اليمينيون يدركون أنه عندما تصبح الأسواق الناشئة في مأزق، يمكن للبنك الاحتياطي الفيدرالي وحده توفير السيولة لتخفيف الضغط. وبعبارة أخرى، سيعمل ترامب في هذه الحالة أيضاً من موقع قوة. ونحن في حاجة إلى تجنب التقليل من شأنه -وإلا سوف نتحمل جميعا الأضرار الجانبية.
*آندرو شنغ، زميل متميز من لمعهد آسيا العالمي في جامعة هونغ كونغ، وعضو في المجلس الاستشاري لبرنامج "يونيب" للتمويل المستدام، وهو الرئيس السابق للجنة هونغ كونغ للأوراق المالية والعقود الآجلة، ويعمل حاليا أستاذا مساعدا في جامعة تسينغهوا في بكين. كتابه الأخير هو "من آسيا إلى الأزمة المالية العالمية".

*شياو جينغ، رئيس مؤسسة هونج كونج للتمويل الدولي، وهو أستاذ في جامعة هونغ كونغ.
*خاص بـ"الغد"، بالتعاون مع "بروجيكت سنديكيت".