كابوس الهيمنة الأميركية..!

هيمنت الولايات المتحدة على المنطقة العربية منذ أواسط القرن الماضي. ويصعب تحديد فترة استقرت فيها هذه المنطقة حقاً منذ ذلك الحين. ولو بحث المرء في أصل كل عداوة وصراع وحرب شهدتها منطقتنا، لوجد للولايات المتحدة يداً. وأهم ذلك رعايتها عامل التوتير الأكبر في المنطقة، الكيان الصهيوني، الذي تسبب بالحرب والتوتر الدائمين هنا، متزودا من الولايات المتحدة بالمال والسلاح والحصانة من العقاب وتجاهل القرارات الدولية، ووسائل إدامة احتلاله -حتى للجزء الذي يعترف العالم بأنه أراض محتلة.اضافة اعلان
أبدعت الولايات المتحدة في تطبيق مبدأ "فرِّق تسُد" -والقوة الخشنة أخيراً- لإدامة هيمنتها على المنطقة، وجعلت كل طرف فيها –والعرب بشكل خاص- في حاجة إلى حمايتها ومصادقتها. وضمنت كل هذه الفترة الاستفادة من نفط المنطقة وأموالها التي تذهب إلى مجمعها الصناعي العسكري. وفي الحقيقة، صنعت الإدارة الأميركية للمنطقة خللا بنيويا في النظام العربي بكل أشكاله، بحيث لا يُعنى بتحقيق مصالح شعوبه ولا يجرِّب في سبل للتخلص من سطوة الغرباء، ليصبح الخضوع والتبعية قدر شعوب المنطقة. ولا يتعلق الأمر بالعوز للوصفات، وإنما بالعوز إلى الإرادة، والحكمة الاستراتيجية، والشجاعة.
مع ذلك، يرى قسم مهم من خبراء الشرق الأوسط الأميركيين أن بلدهم أفرط أخيراً في تأزيم المنطقة ومفاقمة حروبها ووضعها على شفا انفجار كبير. وينتقد هؤلاء الخبراء سياسات بلدهم تجاه مختلف الملفات هنا، ويقترحون تعديلات سريعة في المسار الخطير. ولا ينطلق هؤلاء من حرص على استقلال المنطقة ومساعدتها على الاستقرار بآلياتها الذاتية، وإنما من واقع الحرص على إدامة الهيمنة الأميركية بتغيير النهج فقط لتجنيبها ما يرونه مكلفاً وغير منتج.
يرى مارتن إنديك، الذي عمل –من بين أمور أخرى- مبعوثاً خاصاً للولايات المتحدة إلى المفاوضات "الإسرائيلية"-الفلسطينية، أن سياسات إدارة ترامب "غذت الصراع بين إيران وإسرائيل، وعزلت الفلسطينيين، ودعمت حرباً بلا نهاية خلقت أزمة إنسانية في اليمن، وقسمت مجلس التعاون الخليجي". وربما كان يجب أن يضيف أنها عملت على تأجيج الصراع بين الدول العربية السنية وإيران الشيعية، واستغلت الطائفية، بالإضافة إلى تحريض العداوات بين السُّنة أنفسهم.
وثمة خبير أميركي آخر، روبرت مالي، الذي عمل في مجلس الأمن القومي في رئاسة باراك أوباما، والذي يرى أن الولايات المتحدة "تستطيع، كحد أدنى، أن تكف عن مفاقمة التوترات في المنطقة، وأن تتجنب منح شركائها تفويضاً بعمل ما يريدون، أو تمكين أعمالهم العدوانية وخطابهم القتالي. وهذا يعني، في رأيه، إنهاء دعم أميركا للحرب في اليمن والضغط على حلفائها لإنهاء الصراع هناك. ويعني تعليق جهودها لتدمير الاقتصاد الإيراني، ومعاودة الانضمام إلى الصفقة النووية، ثم التفاوض على اتفاق أكثر شمولاً. وهو يعني وقف حملتها العقابية ضد الفلسطينيين والنظر في طرق جديدة لإنهاء الاحتلال الإسرائيلي. وفي حالة العراق، يعني ذلك عدم الاستمرار في إجبار بغداد على اختيار جانب بين واشنطن وطهران. وبالقدر الذي يتعلق بالتنافس الإيراني-السعودي، تستطيع الولايات المتحدة، في رأيه، تشجيع الطرفين على العمل على تدابير لبناء الثقة -بشأن الأمن البحري، وحماية البيئة، والسلامة النووية، والشفافية حول المناورات العسكرية- "قبل الانتقال إلى المهمة الأكثر طموحاً والمتمثلة في إنشاء هيكل إقليمي جديد وشامل، والذي يشرع في معالجة المخاوف الأمنية لكلا البلدين".
في رأي الخبيرين، تستطيع الولايات المتحدة اتخاذ هذه الخطوات لاستقرار المنطقة. لكنهما يقترحان –ضمنياً- أن المنطقة يمكن أن تفكك أزماتها بنفسها، لو امتلكت الدول الإرادة والحكمة. وبالقدر الذي يخص العرب، فإنهم يستطيعون، نظريا، الخروج من موقع المفعول به. إنهم يستطيعون إنهاء الحرب في اليمن، وحل الخلاف في مجلس التعاون الخليجي. ويستطيعون تخفيف التوتر مع إيران بالبحث عن سبل للتفاهم معها، والبدء من التدابير التي يقترحها مالي. وفي شأن الصراع مع العدو الصهيوني، يستطيعون استخدام أدوات الضغط التي يمتلكونها لدفع الأطراف المؤثرة إلى حل هذه الصراع بطريقة عادلة. ومن حيث المبدأ، يستطيع تكتل يصنعونه، بعد حل نزاعاتهم البينية غير الضرورية والهدامة، أن يحيّد التهديد الإيراني، والتنمر الصهيوني –والأهم، التخلص من كابوس التحكم الأميركي في القرار والمصير.