كارثة قيد التشكل: الموت في القرن الأفريقي

سوء التغذية يحصد آلاف الأطفال سنوياً في القرن الإفريقي والمناطق الأخرى - (أرشيفية)
سوء التغذية يحصد آلاف الأطفال سنوياً في القرن الإفريقي والمناطق الأخرى - (أرشيفية)

كليمنس هوغز، وهوراند نواب — (دير شبيغل) 21/7/2011    

 

ترجمة: عبد الرحمن الحسيني

اضافة اعلان

 

لوقت طويل، ظلوا يأملون بأن يتساقط المطر بعد كل شيء. ولم تستسلم باتولو محمد إلا بعد أن نفق آخر حيوان من مواشيهم، وخرجت هي وأفراد عائلتها. وطوال أربعة أيام بلياليها، سارت باتولو مع زوجها وخمسة من أولادهما نحو الجنوب عبر سهوب الصومال القاحلة. ولم يكن معهم أي شيء يقتاتون عليه سوى القليل من الماء ليرووا ظمأهم.
وقد استطاعوا جر أنفسهم واجتياز الحدود إلى كينيا، حيث وصلوا في نهاية المطاف إلى "داداب" أضخم مخيم للاجئين في العالم. ولأنهم كانوا مرهقين، آووا إلى ظلال عريشة من التاربولين في انتظار تسجيل أسمائهم لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين. وقالت باتولو:"كانت لدينا 100 رأس الماعز وسبعة جمال". والآن، لم يعد لديهم أي شيء. وتغط ابنتها "آمبيا" ذات الثلاث سنوات من العمر في النوم وسط رمل السهل الخشن، فيما كان الذباب يطير حائما حول شفتيها، ولم تعد لدى والديها القوة والعزيمة لطرد الذباب.
مقارنة بالآخرين، فإن باتولو وعائلتها بخير. ذلك أن الآخرين يصلون إلى المخيم بعد أسابيع من السير على الأقدام وقد لحق بهم الهزال والإعياء، وغارت عيونهم بشكل عميق. ويبدو العديدون وكأن جلودهم هي التي هي التي تبقي عظامهم متماسكة معاً. لكن آخرين غيرهم كانوا قد ماتوا في الطريق.
وكانت الأمم المتحدة قد أنشأت المخيم قبل 20 عاماً لإيواء أكثر من 900.000 لاجئ من الصومال. والآن، هناك ما يقارب 380.000 صومالي يعيشون في خيام معدمة وسط أدغال الأعشاب الاستوائية. وفي كل يوم، يصل نحو 1000 لاجئ آخر. ويصطف هؤلاء في طوابير طويلة في انتظار الحصول على الماء، ويدفنون موتاهم في أطراف المخيم في قبور طينية حفرت على عجل. والعديد منها جديد.
إنها مجرد البداية
تخبز أفريقيا الشرقية تحت أشعة شمس لافحة لا ترحم؛ فلم يجلب فصلا المطر الأخيران أي مياه يمكن تخزينها على الإطلاق. ويقال إن هذا هو أسوأ جفاف يضرب المنطقة منذ العام 1950. ويأتي الجوع في أعقابه. ففي كل من الصومال وإثيوبيا وكينيا وجيبوتي وأوغندا، يعاني الناس الآن على نحو لم يشهدوه منذ أمد بعيد. وتقدر الأمم المتحدة أن حوالي 12 مليون شخص يواجهون حالياً غائلة الجوع. ولا يعدو ذلك كونه مجرد البداية وحسب.
ثمة العديد من الإشارات على أن الحالة ستتفاقم وتذهب نحو الأسوأ في قادم الأيام. وفي الوقت الحالي، أصبحت العديد من المناطق في شرقي أفريقيا مصنفة وفق تصنيف المفوضية العليا لشؤون اللاجئين على أنها مناطق "طوارئ". لكن المفوضية العليا لشؤون اللاجئين أعلنت المجاعة مؤخراً في منطقتين من جنوبي الصومال، وقالت إن من الممكن أن تنتشر المجاعة ما لم يتم العثور على مانحين بمقدار يكفي لمساعدة أولئك المحتاجين. وقال مارك بودن، المنسق الإنساني للصومال: "إذا لم نستطع التصرف الآن، فإن المجاعة ستنتشر في كافة المناطق الثماني لجنوبي الصومال خلال شهرين".
 إنها كارثة ظلت قيد التشكل منذ وقت طويل. وما فتئ الخبراء يحذرون منذ شهور من نذر اقتراب حلول المجاعة، والأسباب واضحة. وهم يعرفون أيضاً أن الكارثة الحالية لن تكون الأخيرة. وكنتيجة للتغير المناخي، أصبح واقع الحال باطراد هو فشل الفصول الممطرة بأن تتجسد في المنطقة. وما يضيف إلى المشكلة هو أن عدد السكان في البلدان التي تعاني الآن قد تضاعف أربعة أضعاف في العقود الأخيرة، ليرتفع من أصل 41 مليونا إلى 167 مليون شخص. وبالإضافة إلى ذلك، فإن منظمات المساعدة تعمد إلى تخصيص موازنات معظم أموالها للحالات الطارئة، تاركة القليل منها للآبار والأسمدة والبذور والجهود الخاصة بتعليم المزارعين كيفية الاستفادة أكثر ما يكون من أراضيهم الزراعية -أي كافة الإجراءات التي يمكن أن توقف الكارثة التالية.
وقد عانت الصومال من الضربة القوية على وجه الخصوص لأن الإسلاميين من ميليشيات الشباب والذين يحاربون ضد حكومة البلد، ما يزالون يطاردون كل منظمات الإغاثة والمساعدة ويجبرونها على الفرار إلى الخارج. كما هرب مئات الآلاف من الصوماليين فراراً من العنف الذي تشهده البلاد، ما يجعل الأوضاع في مخيمات اللاجئين في المحيط أكثر صعوبة.
طلقات طائشة وانفجارات في الجوار
تقول ماري هونجو: "لا يملك الناس أي خيار، حتى إنهم يهربون إلى مقاديشو. وتترأس هونجو، المواطنة اليابانية، برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة في العاصمة الصومالية. وتعد الظروف في المدينة جهنمية، حيث ما تزال منذ سنوات ميداناً للمعارك بين متشددي حركة الشباب والقوات الحكومية.
ويتخذ فريق هونجو من المطار مركزاً له. ويتكون الفريق من 19 أجنبياً تحرسهم وحدة صغيرة من قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الأفريقي. وعلى الرغم من التفصيل الأمني، فإن مقرهم الرئيس بالكاد يكون آمناً. وأصبح من المألوف سماع الطلقات النارية الطائشة وهي تصفر عبر المخيم، بينما تجعل الانفجارات القريبة عمال المساعدات في حالة توجس دائمة.
 ويستطيع عمال الإغاثة بالكاد مغادرة مخيمهم؛ فالإسلامويون التابعون لحركة الشباب لا يترددون في أخذ الأجانب رهائن لديهم إذا استطاعوا. وثمة سفن حربية تابعة لمهمة مكافحة القرصنة "اتلانتا" من الاتحاد الأوروبي، هي التي تتولى مهمة إرشاد وتوجيه السفن التي تكون مليئة بإمدادات المساعدات في المياه التي غالباً ما يجوبها القراصنة، وتقودها إلى الميناء. وتلك واحدة من مسؤوليات مكتب هونجو الرئيسية حيث تقول: "إن العمل هنا يشكل تحدياً".
في الوقت الراهن، يحاول فريق برنامج الغذاء العالمي إطعام أفواه 1.5 مليون شخص معظمهم في مقاديشو نفسها -لأنه هنا وحسب تستطيع مدفعية الاتحاد الأفريقي فتح ممر لعمال الإغاثة. وكان فريق البرنامج قد انسحب تماماً في العام 2010 من تلك المناطق التي يسيطر عليها متشددو الشباب. وكان الموظفون يقتلون أو يخطفون فيما كانت إمدادات المساعدات تتعرض للنهب، أو يعمد الإسلامويون إلى ابتزاز العمال لنهب أموالهم. وفي الختام، استطاعوا أن يطردوا "عملاء الكفّار" من المناطق التي يسيطرون عليها.
"إجهاد المانحين"
الآن فقط، ونتيجة للجفاف الكبير، أعلنوا أن منظمات الإغاثة تلقى الترحيب مرة أخرى. وتقول هونجو: "أعتقد بأنهم يشعرون باليأس". لكنها مع ذلك ما تزال غير واثقة فيهم، وتقول: "تتكون ميليشيات الشباب من فصائل متعددة. وهم لا يشتركون جميعاً في نفس الموقف. ونحن نريد ضمانات. وعلينا أن ننتظر لنرى".
وثمة مشكلة كبيرة بنفس المقدار تكمن في الظاهرة التي تعرف في دوائر المساعدات باسم "إجهاد المانحين". فقد أصبح الناس حول العالم يشعرون بالتعب من إرسال الأموال إلى أفريقيا، حيث لا يبدو أن شيئاً قد تغير. ففي العام الماضي وحده، طلب برنامج الغذاء العالمي من البلدان الغنية تقديم مبلغ 500 مليون دولار لمكافحة الجوع في القرن الأفريقي. ولم تستطع تلك البلدان جمع حتى نصف تلك الأموال. وذلك على الرغم من أن العلماء الذين يعملون مع نظام التحذير المبكر من المجاعة، والذي يتخذ من الولايات المتحدة مركزاً له، طالما كانوا يحذرون من أن المحاصيل في المقام الأول ثم الحيوانات وأخيراً الناس، سيبدأون بالموت إذا فشل موسم المطر في التجسد.
كما أن الموسم المطري الثاني على التوالي، والذي لم يفض إلى سقوط قطرة ماء واحدة، قد أوشك على الانتهاء. أما الموسم التالي فمن المنتظر أن يبدأ في الخريف. وحتى لو بدأ المطر بالهطول عندها، فسيستغرق الأمر المزارعين والبدو شهوراً قبل أن يستطيعوا تزويد الأسواق بالحبوب واللحوم. وتقول ديفني وايشام، محللة المناخ في معهد دراسات السياسة في واشنطن دي سي:"نعرف من نماذج الكمبيوتر أن هذا الجزء من القارة قد ضرب بتطورات أكثر شدة من المناطق الأخرى". وتصف القرن الأفريقي بأنه "مركز الاحترار الكوني". وتقول إن من المتوقع قدوم فترات إضافية من الجفاف القوي في السنوات المقبلة.
لعل مما يجعل الأمور أكثر سوءا، حقيقة أن أسعار الغذاء قد ارتفعت بحدة حول العالم، مما وتر منظمات المساعدات والناس أنفسهم على حد سواء. فعلى سبيل المثال، ارتفع سعر الميليت الأحمر، وهو نوع من الحبوب التي تشكل جزءا كبيراً من الغذاء في الصومال، بنسبة 240 % في العام الماضي. ولم يعد بمقدور العديدين توفير ثمنه.
من الطبيعي أن الناس حول العالم يجب أن يتدخلوا لإنقاذ أولئك الذين يعانون حالياً من المجاعة، كما يقول خبير التنمية الألماني فيلي دوهن. ويرصد الخبير الذي يتخذ من نيروبي مركزاً له، ومنذ العقد الخير تلك الصعوبات التي تواجه شرقي أفريقيا لصالح مجموعة "متطوعون بلا حدود"، وخاصة مأساة البدو وقطعانهم من الماشية.
ويقول دوهن: "لقد زاد عدد السكان بشكل كبير، فيما غاص الانتاج بشكل درامي في المقابل بينما يتغير المناخ، وتم فقدان العديد من المناطق المستخدمة للزراعة لصالح البدو". ويخلص إلى القول إن الأرض، ببساطة، لم تعد تستطيع إطعام السكان.


*نشر هذا التقرير تحت عنوان: Famine in East Africa

[email protected]