كامل العجلوني وذلك الحضور

 

أثناء حواره مع لانا مامكغ في يوم جديد، ذلك البرنامج الصباحي المتميز الذي يحرص على تقديم الأفضل دائما، أشار الدكتور كامل العجلوني إلى ضرورة التخلص من جملة سلوكيات غير حضارية، ما نزال نمارسها في مناسباتنا الاجتماعية المختلفة، رغم معرفتنا الأكيدة بأنها شديدة الضرر بالصحة.

اضافة اعلان

وساق أمثلة من الواقع، لعل أبرزها طقوس شرب القهوة المُرَّة من نفس الفنجان الذي يتداول على حوافه في اللحظة ذاتها العشرات، ما يعتبر من دون أدنى شك حقلا حيويا لتكاثر الجراثيم وتنقلها بين الأفواه.

واقترح العجلوني إلغاء ذلك البند من طقوس الضيافة، الذي رآه غير ضروري، لا سيما في مناسبات العزاء، حيث أن واجب العزاء على وجه الخصوص لن يتجاوز الربع ساعة على أبعد تقدير، وبالتالي يمكن ومن باب الوقاية الاستغناء عن القهوة من أساسها.

كما انتقد عادة التقبيل الكثيف الذي يتعرض له أصحاب المناسبات من باب التعبير عن المشاركة الوجدانية، وشدد لاعتبارات صحية بحتة على ضرورة أن يكتفي الناس بالمصافحة الكفيلة بدورها بنقل المشاعر الصادقة من دون مبالغات درامية.

ولم ينجُ المنسف كذلك من اقتراحات الدكتور التي لا تخلو من ثورية وتمرُّد على المُكرَّس والسائد، فرفض من حيث المبدأ عادة تناول المنسف باليد المجردة، وأكد أن الناس فيما مضى كانوا مضطرين إلى استخدام اليد لعدم توفر أدوات الطعام، وبالتالي انتفى في وقتنا الراهن المبرر الفني لاستمرار تلك العادة البدائية.

ورغم أننا نتفق بالمطلق مع طروحات العجلوني، وهو الطبيب البارع والشخصية العامة الواعية، صاحب الرؤية المتأملة الناقدة، المتميز بنبرته الحيوية، الكفيلة بإقناع المستمع بسهولة، نظرا لوجاهة أفكاره وأهميتها، غير أنها من دون شك سوف تشكل صدمة آن أوانها لعلها باتت ملحة، كي نتمكن من اتخاذ قرارات واعية بأهمية التغير في نمط سلوكيات لن تمضي بمجتمعاتنا سوى خطوات حثيثة نحو الوراء.

ويمكن إضافة الكثير من العادات المؤسفة في هذا الشأن، كعادة إطلاق الرصاص في الأفراح، وهي ليست مضرة بالصحة فحسب، بل هي عادة قاتلة لطالما أزهقت أرواحا، وخربت بيوتا، وهدمت أعراسا فوق رؤوس أصحابها.

وفي كل صيفية وما أن يبدأ موسم الأعراس، حتى يلعلع الرصاص في أماكن مختلفة من العاصمة، وتبدو الظاهرة أشد خطورة في القرى والأرياف، حيث تقتضي المجاملة أن يعبر المدعون عن ابتهاجهم بالحدث عبر إطلاق وابل من الرصاص، رغم احتمال عالي النسبة بوقوع خسائر في الأرواح.

وفي السياق ذاته نلاحظ أن الحديث الدائم عن أزمة مالية خانقة، وركود في سوق العقارات، وانهيار في البورصة، وارتفاع غير مسبوق في الأسعار، لم يغير شيئا في أنماط سلوكنا الاستهلاكي، وما تزال مظاهر الترف والفخفخة على أشدها، ويكفي أن تحضر عرسا في أي فندق عمّاني لتقف على أشكال من الاستهلاك الاستعراضي الفادح، فيما ندفع كأفراد ثمنا باهظا جراء هذه البهورة العابرة، فنقضي زهرة أعمارنا مرتهنين إلى قروض بنكية تستنزف طاقاتنا، وتسبب في حالات كثيرة ضغوطات نفسية شديدة، سرعان ما تترجم إلى أمراض مستعصية وحالات كآبة لا شفاء منها لأن الرضوخ لاعتبارات المظهر الاجتماعي سوف يضعنا دوما أسرى الإحباط والقهر والتراجع النفسي الخطير.

هذه تحية تقدير واحترام  للدكتور كامل العجلوني، ولحضوره الحيوي ولطروحاته الجريئة المخلصة المحرضة على التفكير والتأمل، النابعة من روح شديدة الاكتراث فائقة الحرص على التفرد والاختلاف.

[email protected]