"كايرون" تمنح اللاجئين فرصة متابعة دراساتهم العليا مجانا

باميلا كسرواني  متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية
باميلا كسرواني متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية

باميلا كسرواني*

* متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية

 وصل عدد اللاجئين في كل أنحاء العالم إلى 21,3 مليون شخص يُضاف إليهم 65,3 مليون نازح عام 2015 بحسب المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين؛ أقلّ من 1 % من اللاجئين في العالم يُمنحون فرصة مواصلة دراساتهم العليا.اضافة اعلان
قد لا يكون الأمر مفاجئاً لاسيما أن أغلب اللاجئين والنازحين يُعانون الحرمان من أبسط حقوقهم الإنسانية وحاجياتهم اليومية. إلا أن حقهم في النفاذ إلى التعليم العالي يجب أن يكون أيضاً محفوظاً لاسيما أنه عامل أساسي لحياة متكاملة وفرصة للاندماج في المجتمعات التي يعيشون فيها؛ غير أن اللاجئين يواجهون العديد من العقبات للنفاذ إلى التعليم العالي مثل التكلفة، والوضع القانوني، واللغة، وقدرات الجامعات.
عقبات تطمح منصة "كايرون" إلى تذليلها هي التي يُعرّف عنها العضو المؤسس، عُدي الهاشمي، على أنها "أول منصة تعليمية إلكترونية في العالم تُمكّن اللاجئين من الحصول على التعليم العالي والتعلّم الناجح بفضل الحلول الرقمية".
يخبرنا الهاشمي أن الفكرة ولِدت في صيف 2014 عندما التقى فينسنت زيمر وماركوس كريسلر اللذان شاركا رؤيتهما لـ "جامعة 2.0" خلال مؤتمر للاجئين في اسطنبول. ويشرح لنا أن هذه الجامعة "تهدف إلى التركيز أكثر على الطالب من خلال التقدم التكنولوجي. كانا متحمسَين إزاء الإمكانيات التي توفّرها الطريقة الجديدة في التعليم الجامعي للاجئين الذين لم يكن لديهم إمكانية الوصول المباشر إلى التعليم حتى ذلك الحين؛ هذا الحماس أدى إلى أول محادثات مع مواقع الدروس الإلكترونية والجامعات وصناع القرار في السياسة والاقتصاد واكتشف زيمر وكريسلر أنهما قادران على إيجاد حلول لكل عقبة يواجهها اللاجئون في سعيهم للحصول على التعليم العالي. وهكذا، في مارس 2015، انطلقت الشركة الناشئة الاجتماعية "كايرون" للتعليم العالي" التي لا شك أنها ستغيّر واقع التعليم للاجئين في العالم.
اليوم، يقول الهاشمي "لدينا حوالي 70 موظفا بدوام كامل ومجموعة من 400 متطوع؛ أرقام مهمة جداً بالنسبة لشركة ناشئة مثلنا. نحن محظوظون لأن ردود الأفعال كانت إيجابية ولأن كثيرين يريدون دعمنا من خلال التطوع الذي نعتبره أساسياً من أجل توفير مختلف الخدمات إضافة إلى برامجنا الأساسية".
ولا بد لنا من الإشارة إلى أن اختيار اسم "كايرون" للمنصة التعليمية ليس من باب الصدفة لا بل وليدة أبحاث للمؤسسين اللذَين استوحَيا من "تشيرون"، القنطور الشهير في الأساطير اليونانية لمعرفته المتفوقة وقدرته على التدريس إضافة إلى كونه الأكبر والأكثر حكمة بين هذه الكائنات. وبما أن المعرفة والتدريس هما في صلب أهداف المنصة تمّ اعتماد هذا المصطلح مُعدلاً ليتمكن الأفراد من مختلف الجنسيات بلفظه.
نموذج أكاديمي من نوعٍ آخر
تهدف منصة "كايرون"، على حد قول الهاشمي، إلى "تعزيز الاندماج الاقتصادي والاجتماعي في الدول المضيفة، وتمكين اللاجئين باختيار مسارهم الشخصي من خلال الدراسة. ولذلك، يأتي البرنامج كجزء لا يتجزأ من نظام بيئي من خدمات الدعم التي تتمحور حول احتياجات الطالب".
وتؤمن "كايرون" أن مستقبل التعليم العالي يعتمد على مزج التعليم على الإنترنت والتعليم التقليدي الذي يعتمد على الحضور الشخصي. ويشرح لنا الهاشمي هذا النموذج الأكاديمي قائلاً: "تركّز الدراسات على الإنترنت خلال أول عام أو عامين على منهج رقمي مرتبط بما يُسمى بـ "التعليم المفتوح على الإنترنت" (موكس) التي يوفّرها الشركاء". 
وقد نجحت المنصة في إبرام شراكات مع جامعات رائدة مثل جامعة هارفرد وجامعة برلين الدولية للعلوم التطبيقية ومعهد ماساتشوستس للتكنولوجيا من أجل تطوير محتوى الدروس التي توفّرها منصات الموكس الشهيرة مثل "كورسيرا" و"إيديكس"؛ وكل هذه المسارات تستوفي معايير التعليم العالي الأوروبية.
وترافق هذه الدورات التي تفوق الـ 400 دورة على الإنترنت والتي تركّز على أربعة مجالات رئيسية (إدارة الأعمال والاقتصاد، علوم الحساب، والهندسة، العلوم الاجتماعية) دورات تقدّمها جامعة "كايرون" المباشرة حيث يوفر المدربون تعليماً تفاعلياً ومتزامناً يعتمد على الملاحظات والتبادلات الخاصة بكل طالب ويتوفر على الإنترنت للتكيف مع احتياجات الطلاب.
وبعد هذه الفترة، يُطلعنا الهاشمي أن الطلاب الذين يستوفون شروط التسجيل في الجامعات الشريكة "قادرون على متابعة عامَين إضافيين في الجامعة ليحظوا بفرصة الحصول على شهادة بكالوريوس معتمدة".
ويخبرنا الهاشمي "هناك العديد من الطلاب الذين لا يملكون حواسيب نقالة أو خدمة الواي فاي الجيدة. ولهذا السبب، عملنا على تأسيس مراكز دراسة. هذه المراكز متوفرة في بعض المدن فقط ونشجّع الطلاب على البحث عن مكاتب عامة أو في الجامعة القريبة منهم حيث يستطيعون استعمال الحواسيب والإنترنت".
وإضافة إلى ذلك، توفّر "كايرون" دورات تعليمية للّغات الفرنسية والإنجليزية والألمانية من أجل أن يتمكّن الطلاب من متابعة الدروس إضافة إلى دورات تحضيرية تمهّد لهم الطريق لمتابعة مختلف المسارات الجامعية.
اهتمام من الطلاب والجامعات في آنٍ واحد
تُشير الإحصائيات الأخيرة أن أكثر من 2000 طالب يُتابعون مسارات "كايرون" للتعليم العالي ويحظى الذكور بحصة الأسد مع نسبة 48 %. ويُشكل اللاجئون السوريون النسبة الأكبر من الطلاب ألا وهي 47 % يليهم الأفغان (12 %) والصوماليين (5 %) والباكستانيين (4 %) في حين تتراوح أعمارهم بين 22 و29 سنة. أما مجال الدراسة الأكثر شعبية على منصة "كايرون"، فيبقى الأعمال والاقتصاد مع نسبة 31،80 % تليه علوم الحاسوب.
وفي ما يتعلق بالمؤسسات التعليمية المعتمدة، يخبرنا الهاشمي "كان من الرائع أن نرى اهتمام الجامعات بعملنا لأنها كانت تبحث عن فرص للمساعدة في معالجة أزمة اللاجئين إلا أنها، في الوقت ذاته، مُلزمة بقيود معينة، مثل طلب إثبات المهارات اللغوية، وشهادة الدراسة الثانوية وما إلى ذلك التي قد تحتاج إلى الكثير من الوقت إذ إن الطالب قد ينتظر عامَين أو ثلاثة قبل الحصول عليها. ولذلك، ترى "كايرون" نفسها على أنها جسر عبور بين الإثنين".
ويتابع الهاشمي حديثه قائلاً: "الجامعات تُشكّل شريكاً حيوياً لنا. فمن دونها، لما كان نموذج التعليم ممكناً. وحالياً نتعاون مع 31 جامعة في ألمانيا وأربع دول أخرى، منها فرنسا وتركيا والأردن إضافة إلى مواقع الموكس". ويشير الهاشمي "نتعاون مع منظمات ومبادرات أخرى من أجل جذب الطلاب الجدد وتطوير خدماتنا الطلابية. وعلى سبيل المثال، نملك علاقات تعاون وطيدة مع "وركير"، أول سوق وظائف للاجئين".
ويشدّد الهاشمي على أن "شبكة قوية من المنظمات غير الحكومية تعتبر من الأساسيات من أجل حلّ مستدام وفعّال للعقبات التي يواجهها اللاجئين للنفاذ إلى التعليم. وانطلاقاً من هدف الوصول إلى الطلاب الجدد وتقديم الدعم لهم، تشارك "كايرون" مع المنظمات غير الحكومية لتوفير بيئات دراسية آمنة".
تحديات لا مفرّ منها
يخبرنا الهاشمي "منذ البداية، كنا مدركين أن التحدي الأكبر هو نسبة التسرب المرتفع جداً عادةً في الدروس الإلكترونية. ويعزى ذلك إلى أن غلباً ما يريد المشاركين أن يلقوا نظرة على الدروس من دون النية في إتمامها. إلا أن الدراسات أشارت إلى أن هذه المشكلة يمكن حلّها بفضل توفير الدعم الإضافي؛ أمرُ نقوم به حتى لو أن الدافع العالي والوضع غير العادي لطلابنا هي عوامل نجاح مهمة".
وهذا العام، يبقى التحدي الأكبر بالنسبة
لـ"كايرون" "دعم طلابنا من أجل أن ينجحوا في التعليم العالي وجعل الدراسة على منصتنا الإلكترونية سهلاً بقدر الإمكان. وبالتالي، نَعمل على التحسين المستمر لمنصة التعلّم عبر الإنترنت، فضلاً عن تقديم خدمات الطلاب لدينا في العديد من المواقع وبنفس مستوى الجودة العالية"، كما يقول الهاشمي.
يدرك القيّمون على منصة "كايرون" أهمية صدّ التحديات التي يواجهونها إلا أنّهم يواصلون جهودهم من أجل مساعدة اللاجئين على متابعة الدراسات العليا علّهم يساهمون في تغيير واقع حالهم. ولهذا الغرض، يقول الهاشمي "جهودنا في عام 2017، ستركز على التحسين المستمر لعروضنا وتطبيق نموذجنا الأكاديمي في الدول التي نركّز عليها. فعلى سبيل المثال، نعمل على تطوير برنامج شهادة في تركيا من شأنه أن يُحسن من قابلية الطلاب على التوظيف وأن يزيد من فرص حصولهم على فرص عمل".