كبت الحريات في الجامعات الأردنية

معيبة هي العقوبات "التأديبية" التي تمّ إيقاعها في حق طلبة من جامعة العلوم التطبيقية على خلفية تنظيمهم وقفة تضامنية مع الشعب السوري، فإذا لم "يتعلم" الشاب ممارسة حريته في جامعته، فأين، وكيف يتعلمها؟!اضافة اعلان
إن سلمية الوقفة التضامنية، بحسب ما تناقلتها وسائل الإعلام المحلية، تجعل من تلك العقوبات "وسيلة إرهاب" لإعمال الفكر في أي قضية، ما يؤدي بالتالي إلى قمع الاتجاه نحو ممارسة الحرية لدى الشباب، وجعل الجامعة بيئة قامعة للحرية بعد المدرسة والبيت، لتتعزز بالتالي السلطة "الأبوية" التي تأتي بصور شتى.
غير أن المقلق في الأمر، هو أن الجامعات الأردنية تعاملت مع ظواهر خطيرة خلال الأشهر السابقة بـ"ليونة" أكثر مما تعاملت به مع الوقفة التضامنية. فحين اشتعلت الجامعات الأردنية بمشاجرات "بدائية"، ولأمور تعزز الجهوية والتخلف، رافقها إطلاق نار أحيانا، وتحطيم لممتلكات الجامعات في أحيان أخرى، كانت معظم الجامعات "متسامحة" إزاء أمور كهذه، إذ جاءت "العقوبات" موسومة بالليونة، وأحيانا كانت الأمور تنتهي بـ"جاهة عشائرية تكدّ" على رؤساء الجامعات!
إن العقوبات غير العادلة التي أوقعتها جامعة العلوم التطبيقية في حق مجموعة من الطلبة انحازوا إلى حق الشعب السوري في الحرية والانعتاق من النظام المجرم، تزيد من قمع الحريات في الجامعات، وتعزز من انغلاقة الطلبة وتسطيحهم بمنعهم من التفاعل مع القضايا العربية الراهنة، بحيث تؤسس لجيل مدجّن غير عابئ بما يدور حوله.
ولعل ذلك يعزز أيضا من انغماس الطلبة في القشور، وابتعادهم عن الجوهر، لتبقى الجامعات ساحات للتعبير عن الجهوية والإقليمية و"الحروب" التي لا تحمل من معنى سوى التبشير بجيل منفصل عن واقعه، ولا يرتبط بوطنه، بسبب تعدد الولاءات والمرجعيات لديه.
في الماضي، عندما كانت الجامعات ساحة حقيقية للعمل السياسي، كانت تمور بالأحزاب التي تتنافس على أساس برامجها السياسية. وقتها كانت المناظرات السياسية تظهر في الساحات بدلا من المشاجرات العشائرية، وكانت "المناشير الحزبية" التي توزع بالسرّ ظاهرة شبه يومية، بدلا من البيانات الموقعة من شباب في الوقت الراهن، والتي تؤسس للانقسام والفرقة، وتبتعد عن لمّ الشعب تحت قيم المواطنة الحقّة.
العقوبات الظالمة، والتي تم خلالها فصل طالب وإنذار طالبين آخرين، تكشف، فيما تكشف، عن رعب صانعي السياسات الأكاديمية من أن تعود الجامعات إلى سابق عهدها، منارات للعمل السياسي الحقيقي، ومن أن يعود الطلبة مسيسين ومنخرطين في العمل الوطني، والذي لا بد أن يبشر بشيوع القيم المبنية على أسس عادلة.

[email protected]