كتاب يستعرض نظريات المفكرين العرب واستراتيجياتهم الخطابية في التراث

غلاف الكتاب - (الغد)
غلاف الكتاب - (الغد)

عزيزة علي

عمان- يستعرض الباحث زهير توفيق في كتابه "إشكالية التراث- في الفكر العربي المعاصر"، الصادر عن دار يافا العلمية للنشر والتوزيع، نظريات المفكرين العرب المعاصرين واستراتيجياتهم الخطابية في التراث.اضافة اعلان
ويتناول الكتاب ثلاثة اتجاهات فكرية في مجال التراث، ويستعرضها في ثلاثة فصول؛ الاول يتناول الاتجاهات الماركسية التي كتب فيها كل من :"مهدي عامل، حسين مروة، الطيب تيزيني، هشام غصيب، سلامة كيله، غالي شكري، عبدالله العروي"، أما الفصل الثاني فيتحدث عن الاتجاهات العربية والإسلامية والذي قدم فيه ابحاث كل من: "طه عبدالرحمن، محمد عمارة، عبدالله عبد الدايم، حسن حنفي".
ويتحدث الفصل الثالث عن العقلانية النقدية التي كتب فيها كل من: "فهمي جدعان، محمد عابد الجابري، محمد اركون، نصر حامد ابو زيد، برهان غليون"، ويبحث الكتاب آراء هؤلاء المفكرين والباحثين في مجال التراث.
ورأى توفيق في مقدمة الكتاب أن الباحث في التراث يواجه فيضاً من الإنشاء والإيديولوجيا وحماسة منقطعة النظير، حوّلت خطاب التراث إلى سلطة إيديولوجية مرجعيتها التراث نفسه للحكم على الحداثة، أو سلطة مرجعية حداثية للحكم على التراث، أو تحوله إلى سلطة علموية مرجعها العلم بالمطلق للحكم على التراث بمكوناته الكلية الميتافيزيقية والإيديولوجية.
واعتبر المؤلف ان إشكالية التراث تنطوي على طبيعة العلاقة بين الماضي والحاضر، أو الحداثة والتراث، فهل "التراث"، امتداد زمني؛ أي استمرارية تلقائية من السابق إلى اللاحق، أم تقدم نوعي طبيعي كون الحاضر ابن الماضي، أم هو تحول غير طبيعي "طفرة تاريخية" تمت على أساس النقض والقطيعة بين السابق واللاحق الذي تم تجاوزه الآن؟! فكيف يعيش الماضي في حاضرنا التاريخي، وكيف يقرأ وهو الماضي "التراث" الذي يستمد وجوده وشرعيته من بنية مفارقة لشروط إنتاج الحاضر العالمي "وحدة العملية التاريخية"، ويتجاوز ذاته باستمرار؟.
وأشار توفيق إلى أن التراث ما يزال يقرأ إيديولوجياً، وبعيون الحاضر، وتتحكم فيه الأحكام القبلية والتأويلات المفرطة في تأكيداتها، ولا تتم القراءات إلا في سياق التناقض والاختلاف مع الحداثة؛ أي بوحدة وصراع الأضداد "التراث والحداثة"، وبالرغم من تعدد القراءات والاستراتيجيات الراهنة للسلفية والليبرالية والتوفيقية، إلا أنها جميعاً ذات أساس واحد، يحركها منطق واحد هو منطق الفصل والحصر، بصيغة أما /أو "الحداثة /أو التراث"، حتى النزعة التوفيقية، التي تعمل على إذابة الفارق ودمج الطرفين في مركب واحد، ما زالت تعيش  في إطار التناقض وفي طور التوتر، ولم تفلح  في تحقيق التركيب والتكامل.
وقال المؤلف: حاولت عبر صفحات هذا الكتاب تلخيص وعرض وجهات نظر المفكرين العرب في التراث، مركزاً على فهمهم للإشكالية وكيفية معالجتها وتقديمها للقارئ، وأنا كقارئ باحث أو متلقٍ بذلت جهدي لإعادة النظر في مكتوبهم، فركزت على مقولات وأفكار أساسية أكثر دلالة من غيرها، وأهملت بعضها لصفتها العارضة، وعدم تأثيرها في بنية الخطاب عند هذا المفكر أو ذاك. فجاء العرض مكثفاً لدواع إجرائية، لتغطية أكبر عدد ممكن من المفكرين المعاصرين الذين اشتغلوا بإشكالية التراث.
واوضح توفيق أن التلخيص والعرض تطلب منه:"التحليل والنقد، وتأويل المعنى الذي يستبطنه النص، فأظهرت المكبوت والمسكوت عنه في بعض الخطابات، وهشاشة بعضها الآخر، وأظهرت كيف تتحول فرضيات المنهج  إلى نموذج تطبيقي يقاس عليه الصالح والطالح في الحداثة والتراث فأفشل القياس المنهج والتحليل، ولهذا فقد آثرت أن تكون قراءتي قراءة تشريحية تتناول مفاصل الخطاب وطرائق تركيبه وبنيته المعرفية والإيديولوجية".
ونوه المؤلف الى أن جميع هذه القراءات- بغض النظر عن اتجاهاتها أو حمولتها المعرفية والإيديولوجية- هي قراءات "براجماتية فاشلة، غايتها توظيف موضوع في موضوع آخر؛ أي التراث في الحداثة، أو الحداثة في التراث، فاشلة لأن ذاتها مسكونة بتاريخها ودينها وذاكرتها التراثية؛ أي التراث المكتوب والشفهي والمباشر والموحى به، وهكذا فموضعته (التراث) تعني تجاوزه في ذاتها ولا في خارجها، ومن ثم التعالي عليه وعلى الحداثة وهذا مستحيل، لأسباب تتعلق بذات، هي نفسها موضوع ذاتها، وذاتها موضوعها".
وبين توفيق أن التراث بكافة أشكاله ومستوياته من التراث الديني إلى الفلكلور مرونة وقدرة فائقة على التكيف، وتأويل الحداثة (العربية)، التي سارعت بدورها بتأويله للسيطرة عليه، ففشلت في الحالتين، فأفسدت التراث وفسدت فيه.
وقال المؤلف ان تصنيف الاتجاهات الفكرية المعنية بالتراث على النحو الوارد في الكتاب، فقد اتبع تصنيفاً إجرائياً – وإن كان متعسفاً إلى حد ما- أساسه الحد الأدنى من القواسم المشتركة بين المفكرين، وضمن أطر مرجعية عامة- عبّر بعضهم عن التزامهم وانطلاقهم منها- لم تمنع أحداً منهم من الاجتهاد والاختلاف عن أقرانه.

  [email protected]