"كثيرا من الحب": الكشف عن الأقنعة وزوال الفضيلة المطلقة

مشهد من مسرحية "كثيرا من الحب"  التي عرضت على خشبة مسرح هاني صنوبر الأربعاء الماضي - (من المصدر)
مشهد من مسرحية "كثيرا من الحب" التي عرضت على خشبة مسرح هاني صنوبر الأربعاء الماضي - (من المصدر)

سوسن مكحل

عمان - طرحت مسرحية "كثيرا من الحب" التي عرضت الأربعاء الماضي على خشبة مسرح هاني صنوبر "الرئيسي" بالمركز الثقافي الملكي لمخرجها حسين نافع، مجموعة من التناقضات المتعددة في مواجهة الانسان مع ذاته عبر سلسلة من القضايا الاجتماعية الشائكة.اضافة اعلان
وقدمت المسرحية التي نفذتها الجمعية الاردنية للإبداع وبالتعاون مع وزارة الثقافة والسفارة الاسبانية في عمان، وبدعم من أمانة عمان الكبرى عرضا مفعما بالحقيقة الغائبة التي يتحايل فيها الكذب ويظللها الخداع.
وتروي مسرحية (كثيراً من الحب) للمؤلف أليخاندرو كاسونا قصة شائكة اجتماعيا من خلال ثلاثة أزواج يبدون في قمة سعادتهم وهم يحتفلون في عامهم الثامن عشر لعلاقتهم الزوجية، سرعان ما تتكشف بذور تلك العلاقة وتتضح معالمها الحقيقية.
وادخل المخرج نافع جمهوره في طقوس هذا الاحتفال في الزواج السعيد، فيبدو الازواج سعيدين وتظهر معالم الفرح والرقص والمرح على محياهم، في حين تفتخر احدى تلك العائلات بإنجابها الطفلة كلارا تلك التي جاءت بعد اعوام طويلة من الحب، وها هي تتراقص معهم.
هي كلاسيكية اعتمدها نافع بالمسرح تتناسب مع النص المفعم بالعاطفة والمشحون بالتناقضات التي تعتمد سيطرة "المعنى" العميق لفهم الحالة التي يعيش فيها الفرد والإنسان في ظل تلك السعادة المطلقة التي تستفسر وجود اجابات.
كل ما هو "كامل" غير طبيعي على هذه الارض كما جاء على لسان احد الازواج الذي يرى ان النساء الفاضلات بشكل كبير هن غير متواجدات على أرض الواقع، ليحتدم الصراع بينه وبين الازواج ويعترف كل منهما بخطيئته بالخيانة.
تلك الخيانة لا بد ان تقابلها خيانة "أكبر" هذه هي العدالة- ان صح التعبير- فيفقد الازواج عرّاب محبتهم والشاهد على زواجهم العازب "آدم" ذلك الشخص الصديق الذي رافق الأزواج الثلاثة في سعادتهم طوال ثمانية عشر عاما.
السؤال هو اين آدم عن الاحتفالية السنوية، يتصّل أحد الازواج للاستفسار عن آدم الذي يتبيّن انه قضى في حادثة طائرة وترك برقية للأزواج يقدم فيها تحيتهم، وتلك التحية كانت "الحقيقية" بعد كل هذا الزيف.
البرقية تحمل الحقيقة المرّة التي يأبى الازواج وزوجاتهم كشفها امام واقعهم المقنّع بالسعادة، لتنجلي الأمور ويكتشف كل زوج ان آدم صديقهم خانهم مع زوجاتهم الثلاث، ليتسع الصراع وتبدو الحكاية أكثر ألما، خاصة للعائلة التي انجبت الطفلة "كلارا" التي يأبى الاب ان يصدق انها ابنة "آدم" وليست ابنته.
تبدو فكرة العمل "واقعية" رغم كل "الفنتازيات" التي تحويها، الا انها تذهب للتعبير عن الكذب وإصرار الانسان على البقاء بعيدا عن الحقيقة متوهما عالما آخر، وها هو آدم تكون قد كتبت له النجاة من حادث الطائرة فماذا بعد؟.
القادم ثورة فيما يخص العلاقات الانسانية وكذلك الفرد، حين يألف الحقيقة مع الوقت ويصبح قادرا على التعامل معها، وتختلف طرق المعالجة والاحتواء فتتشبث الزوجة المحبة بآدم، وأخرى تنفض غبار "خيانتها" وآخر يظل أسير القناع المزيف.
سينوغرافيا العمل كانت بسيطة خالية من التعقيدات، طغى عليها التوظيف الموسيقي، فيما عرّى المخرج نافع احدى زوايا المسرح بشكل فني جعل الفرد يفكّر بأن تلك المساحة هي الحقيقة الصامتة الغائبة التي تقول "فلينظر لي أحد، خاصة حين هجرها الممثلون "الأزواج" وذهبوا لزاوية اخرى من المسرح ليتمركزوا فيها منفصلين عن زوجاتهم بالمكان ليتحدثوا عن "أقنعتهم" التي زالت مع الوقت لتؤكد عدم وجود "فضيلة" مطلقة وإنسان "كامل".
تلك التناقضات كما يراها المخرج نافع يقول عنها "كم من الكذب نحتاج في حياتنا لكي تكتمل سعادتنا، وهل هناك سعادة مكتملة وخالصة؟، وما هي الحقيقة الانسانية، ومتى نتقبلها ومتى نرفضها ونقاومها عندما تصبح خطراً يهدد وجودنا؟
وأضاف: في المسرحية شخصيات درامية قلقة ومتأزمة تكشف في صراعها الانساني عن الجانب الخفي في كل مجتمعات العالم، وهو الجانب الذي لا يود كثيرون الحديث عنه، بل ويتجاهلون وجوده ويتم تغطيته بالامعان في اظهار مدى تماسك هذه المجتمعات وتمسكها الشكلي بالقيم والاخلاق".
المسرحية من تمثيل: وسام البريحي، هالة شقير، محمود حايك، سالي عودة، هناء الشوملي، سعدالدين لافي، ماجدلين اللحام، وابراهيم النوابنة. وكيروغرافيا: هانئة العبيدي، وتصميم الإضاءة: محمد المراشدة، وتنفيذ الديكور: معتز اللبدي، ومساعد مخرج: رنا قطامي.

[email protected]