كحمش على الفاضي؟!

مع أن معدلات الحرارة نهارا في الأردن هذه الأيام 14 درجة مئوية ومع ذلك تجد معظم أفراد الأسرة مكحمشين من البرد، وزحزحتهم من حول الصوبة أصعب من زحزحة قرار ترامب حول نقل السفارة. اضافة اعلان
في ساعات المساء وإذا ما تدنت درجات الحرارة تكتشف أن طلب الحصول على فيزا للولايات المتحدة أسهل من أن يطلب رب الأسرة من أحدهم أن يحضر له كأس ماء من المطبخ، فكل واحد منهم يتحجج أنه سقعان مع أن جرازي الصوف التي يلبسها تكفي لكسوة شلية من الخرفان!
مع أن المطبخ لا يبعد سوى بضعة أمتار الا أنه يصبح بالنسبة لهم كمن يريد أن يصعد على قمة أيفرست.
في هذه الاجواء لا يوجد متطوع أو محبّ لعمل الخير أو باحث عن برّ الوالدين، وقد يستغرق النقاش والحوار حول إحضار كأس الماء أكثر من الوقت المستغرق في مجلس الأمن حول حل الدولتين.
الأولاد مطمئنون أن أباهم مجرد من أسلحة الدمار الشامل، فهو مستدفي تحت اللحاف وخروجه من تحته أصعب من خروج داعش، لذلك هو الآن مثل أمين عام جامعة الدول العربية يشجب ويستنكر ويعرب عن أسفه فقط.
كانت نداءاته تشبه نداءات النواب لإسقاط الحكومة؛ لا تلقى أي اهتمام، والأولاد يستغلون أكبر وقت ممكن من الجلوس بجانب الصوبة، قال لهم مستجديا: ما رأيكم أن أنادي على أولاد الجيران؟! لم تهزّ هذه الجملة أية مشاعر لديهم فدفء الصوبة غطى على دفء الأبوة، شعر أحد الأبناء بالزحام وهنا كان الفرج بالنسبة للأب وتم توكيله بإحضار كأس الماء أثناء رحلة العودة، ولولا زنقة ذلك الصغير لبقي الأب ينتظر كأس الماء لسد العطش كانتظار الحكومة الأردنية لسد المديونية!
طفل صيني يبلغ من العمر ثمانية أعوام كان يذهب الى مدرسته مشيا على الأقدام لمدة ساعة ودرجات الحرارة تحت الصفر ووسط العواصف الثلجية، ونحن وسط البرتقال والصوبات والكستناء نعجز عن التحرك لدقائق لإحضار كأس ماء، انتشرت لهذا الطفل صورة على مواقع التواصل الاجتماعي وشعره يرتدي الحلة البيضاء فمن شدة الفقر لم يكن يملك غطاء للرأس أو أجرة النقل، أثارت هذه الصورة عاطفة الكثيرين فانهالت عليه التبرعات حيث وصلت الى 76 الف دولار.
لم يقتنِ والد الطفل سيارة موديل السنة لتوصيله، ولم يتم نقل الطفل الى مدرسة خاصة قريبة من المنزل، ولم تطمع والدته بجزء من المبلغ لشراء عصمليات.. فالسلطات الصينية خصصت له فقط ألف دولار من هذا المبلغ بهدف حمايته، فهم يطبقون المثل القائل (عديك شر الجوعان إذا شبع) وخافوا أن يشبع هذا الطفل فلا يعود يذهب الى المدرسة بنفس الحماس ويتعلم الدخان ويمضيها بلاي ستيشن في المنزل!
كما رأت السلطات الصينية أن هناك أيضا طلابا فقراء لهم حق في هذا المبلغ وكحمشوا من البرد مثله، ولكن لم تنتشر صورهم على الفيسبوك!
لم ينجلط والد الطفل من الحسرة، ولم يذهب لنائب المنطقة للمطالبة بكامل المبلغ، بل استلم الألف دولار واشترى لابنه بدلة رياضة شتوية وطاقية وتغدوا صراصير مقلية في أحد المطاعم المعروفة ليشعر الولد بالسعادة.
لا أدري لماذا شعرت أن تجفيف الدول المانحة للمساعدات المخصصة لنا، وقطع يدها والشحدة عليها، هو فعلا لحمايتنا!