كذبة التغييرات الكبرى في الأردن

على مدار أسبوع تقريبا، عاشت نخب عمان السياسية والإعلامية على وقع أكاذيب عن "تغييرات كبرى" في الأردن، وتقارير مفبركة عن استدعاء الملك عبدالله الثاني لشخصيات سياسية أثناء إجازته الخاصة خارج البلاد، تمهيدا لتغييرات مزعومة ستطال الحكومة ورئاسة الديوان الملكي وطواقم المستشارين وكبار المسؤولين في الديوان، ومرافق سيادية في الدولة.اضافة اعلان
تلقفت النخب هذه التقارير بلهفة، ولم تتوقف لحظة لفحص مدى دقتها. ولم تسعف خبرة بعض الساسة الذين عملوا عن قرب مع الملك، للاستنتاج وبشكل تلقائي، أن أسلوب إدارة الحكم في الأردن، والذي شهد تغييرات جوهرية في مرحلة ما بعد تعديل الدستور، لا يحتمل الطرق الدراماتيكية في التغيير، ولا القرارات المفاجئة التي تنزل على مؤسسات الدولة بالبراشوت.
وانشغل المنجمون في السياسة وبعض وسائل الإعلام في التدقيق بقوائم المسافرين من كبار السياسيين إلى الولايات المتحدة خلال فترة غياب جلالته عن البلاد. ووجدوا أن اسم رئيس مجلس الأعيان عبدالرؤوف الروابدة، ورئيس الوزراء الأسبق سمير الرفاعي، من بينهم. فتوصل المنجمون إلى قناعة مفادها أن الروابدة قابل الملك، وهو المرشح لتشكيل حكومة جديدة، والرفاعي لرئاسة الديوان الملكي. ورغم علم البعض أن الروابدة زار أميركا لأسباب عائلية بحتة، إلا أن ذلك لم يسكت ماكنة الإشاعات.
لم يعلق أي مسؤول أو متحدث رسمي على هذه التقارير، لأنها حسب رأيهم لا تستحق إضاعة الوقت في نفيها. لكن هذا الصمت تم توظيفه كدليل على صحة التوقعات. ومع مرور الوقت، سينسى الناس الخبر، وينشغلون بأخبار جديدة، وعندها لن تجد من يسأل وسيلة الإعلام التي نشرت هذه التقارير عن مصداقية أخبارها.
من جهتي، كنت لأفضل الرد عليها مباشرة؛ تأكيدا إن كانت صحيحة، أو نفيا إن كانت مفبركة، لقطع الطريق على صيادي الفرص، وإعلام الفبركات الذي لا يتورع عن نسج قصص صحفية من الخيال، وتسطير الأخبار من دون اعتبار للمعايير المهنية والأخلاقية.
لكن المسؤولية تقع، وبدرجة أكبر، على عاتق النخب السياسية التي لا تريد أن تصدق بعد أن قواعد اللعبة السياسية تغيرت في الأردن، وأن تغيير الحكومة، على سبيل المثال، صار خاضعا لاعتبارات دستورية وبرلمانية، يسعى الملك ومعه كل الطامحين إلى تطوير الملكية الأردنية، إلى تكريسها كأعراف وتقاليد راسخة.
بصريح العبارة؛ لا نية لتغييرات كبرى في البلاد حاليا. والملك، على ما تفيد مصادر رفيعة المستوى في الدولة، لم يستدع ولم يقابل شخصيات سياسية أردنية خلال إجازته الخاصة. كانت مجرد إجازة، تخللتها مشاركة في مؤتمر "صن فالي"، ولقاءات مع مديرين تنفيذيين لكبريات الشركات الأميركية، بهدف تشجيعها على الاستثمار في الأردن، ومباحثات مع وزير الدفاع الأميركي آشتون كارتر، على هامش المؤتمر.
أولويات المرحلة المقبلة محددة سلفا، ولا تحتاج لمراجعة أو تغييرات في الصفوف الأمامية. البرلمان في دورة استثنائية بعد أيام، لإنجاز تشريعات مهمة في مجال الإصلاحات. ومن بعدها العمل على التوافق على قانون انتخاب جديد، استعدادا لمرحلة سياسية جديدة.
الحكومة من جهتها منكبة على تنفيذ ما يطلب منها لتحسين الوضع الاقتصادي في البلاد، وتسيير الشؤون العامة، من دون توقعات باختراقات استثنائية.
في العموم، المملكة تمضي بإيقاع هادئ، رغم الصخب الشديد من حولها.