كرامتُُُنا فقط.. خطٌّ أحمر

بمعنى آخر، إن الخط الأحمر لم يعد موجوداً. فلتتنفَّسِ الصحافةُ الصُّعداء، ولنترك الخبز لخبازه أو خبازته، من أهل الرأي والخبرة والعلمِ والضمير والاجتهاد، من أجل رغيفٍٍ شهيٍّ ونظيف وشريفٍ وبسيطٍ ومتاحٍ وغيرِ معقّد.

اضافة اعلان

ولتعد إلى ثكناتها تلك الكتائب التي كانت تُحصي علينا أنفاسَنا، وتبدِّد مالَنا في التجسُّس على أفكارنا وولائنا، مُقِضّة مضاجعَنا إذا انتقدنا أو طالبنا بالتغيير.

ليذهب إلى الجحيم والتسريح كل من حجبَ جواز سفر أو ألقى في الحبس من دون محاكمة، أو في السجن على رأي أو نشاطٍ سلميٍّ، أوفي قائمة سوداء كلَّ من عبَّر عن حبه لوطنه أو طالب بأبسط حقوقه أو أقصاها.

وإلى جهنم الحمراء فليكن مصيرُ من حرمونا طويلاً من نعمةِ التعبيرِ الحرِّ، وصادروا إنسانيتنا، من دون أن يرفَّ لهم جفن، كأننا قطعان أبقارٍ أو ماعز، وساقونا إلى خياراتهم القبيحة والمملَّة والظالمة والمحدودة والغبية، بينما نحن من يدفع لهم مكافآتهم الجزيلة، وننفق على ابتهاجِهم بالنَّصر علينا، ونموِّلُ آلة قمعهم الجهنمية!

ألا ليفهم الجميعُ بعد اليوم أن لا خطَّ أحمر إلا كرامتُنا (كما قال عميدُنا)، ولا حدودَ لحيويَّتنا واحتجاجنا إلا القانونُ العادل والحضاريُّ، لا ذلك الهمجيُّ الذي سُلِّط فوق رؤوسنا في غفلة من حقوق الإنسان ووعيِنا!!

ألا ليُخبرِ الداني القاصيَ، والسَّميعُ الأصمَّ أنه لم يعد ممكناً أن تعود عقاربُ الساعة إلى الوراءِ، كما لم يعد ممكناً أن تلزم الشعوب الصَّمتَ، وأنَّ ثمنَ التجبُّر والقهر باهظٌ عظيم!!

ألا ليعلمْ كلُّ من أفسد في مالٍ أو سلطةٍ، وأفلسَ مؤسَّسةً، وهدر ميزانيةً على فارغ الفعل والقول والمتاع والمشاريع "الفالصو"، وتجاوز عن حقٍّ، وسعى في واسطةٍ، وقبل واسطةً، ولم يتَّقِ اللهَ ولا غضبةَ شعب، أنَّ حسابه قادمٌ وعسير، حتى لو كان في قبره.

ألا كلُّ من نافقَ وكلُّ من داهنَ وكلُّ من صمتَ على غشٍّ أو شرٍّ أو سوءٍ، مآلُه الشعوبُ الغاضبةُ تحاكمُه، والتاريخُ يهينُه ويشرشحُهُ، ولن يكون عليه ذلك سهلاً بحالٍ.. وليتَّخذْ عِبرةً ممن تملأُ فضائحُهم المشهدَ العربيَّ والعالميَّ، وكانوا جلسوا على كراسيهم كأنَّهم المخلدون!!

ألا كلُّ من وضع شخصاً غير مناسب في مكان غير مناسبٍ، وليس له من تأهيلٍ إلا التملق أو الانتماء المريب أو القرابة أو العشيرة، سيجد الآن من يحاسبه، وسيجد من يطيحُ بوقاره وعظمتِه، في إعلامٍ لم يعد يهابُ إلا الحقَّ والحقيقةَ، وفي منابرَ منفتحةٍ على الهواء النَّقيِّ والعدالة، وفي قضاءٍ نزيه!

وعليه.. فليسارع كلُّ من انتهكَ حقاً أن يخيطه، إن استطاع. وكل من اعتدى أن يعترف ويعتذر، إن قُبِلَ. وكلُّ من أخطأ أن يُصلِحَ.

لعلَّ الشعبَ يصفحُ، والتاريخَ يتساهلُ.

دعونا لا نفقد الأمل...

 

[email protected]