"كرم الصغار".. حينما تترسخ قيم العطاء في نفوسهم مبكرا

56+4
56+4
منى أبو حمور في حافظة الطعام يحرص الطفل ريان 6 أعوام، على وضع كمية أكبر من الأطعمة تفوق حاجته اليومية، مخصصا بذلك حصة لأصدقائه، لعل أحدهم لم يتمكن من إحضار أطعمة أو رغب في تذوق ما تحضره والدته. يشعر ريان في كل مرة يتشارك بها الطعام مع أصدقائه، بسعادة حقيقية، بل وتزداد دافعيته للدراسة، وكذلك تناول طعامه بحسب والدته، التي تلفت إلى الأثر النفسي الإيجابي الذي يعود به ريان إلى المنزل كل يوم. قلم رصاص وعلبة ألوان أخرى يضعها تيم 10 أعوام في مقلمته يوميا في حقيبته المدرسية، لعل أحد أصدقائه يحتاج قلما أو ألوانا، ولا يملكها فيتعرض لإحراج أمام الزملاء. اعتاد تيم منذ صغره على أن يتشارك مع زملائه القرطاسية والطعام وحتى علبة الألوان وأكثر ما يفرحه أن يرى الابتسامة على وجه زملائه عندما يبتهجون بما يتشارك معهم من أدواته المدرسية. العطاء والمشاركة هو ما تسعى الأربعينية لينا أبوسليم ترسيخه في نفوس أطفالها منذ أن كانوا في بداية عمرهم، فاعتادوا على مشاركة طعامهم وشرابهم وحتى السكاكر فيما بينهم في المنزل ولا يمكن لأحد أطفالها أن يأخذ أي قطعة حلوى دون أن يأخذ نصيب أخيه أو أخته في نفس الوقت. وتقول أبو سليم، إن تعلم الطفل الشعور بالآخرين ومشاركة الآخرين بما لا يملكونه يجعل الطفل على خلق عال، فليس العلم والدراسة وحدها ما يجب على الأهل الحرص عليها، وإنما أيضا الأخلاق التي يتعامل فيها مع الناس. يوم الإفطار الجماعي هو الأقرب لنفس الطالبة سهام حازم 12 سنة، والتي تتشارك فيه مع صديقاتها طعام الإفطار داخل المدرسة وبإشراف المعلمات. وتبدأ تحضيرات الإفطار الجماعي منذ أن تكون برفقة صديقاتها، حيث تبدأ بسؤال كل واحدة منهن عما تحب، لتحضر فقط الأصناف التي يفضلونها. وتحرص سهام خلال أيام الدوام المدرسي أن تأخذ كمية مضاعفة من الخضار والفواكه التي تتشارك فيها مع صديقتها خلال استراحة الطعام. المعلمة هبه الحياري بدورها تحرص داخل الغرفة الصفية على تنمية قيمة العطاء والشعور بالآخرين بين طلبة صفها، وتشجع باستمرار على مشاركة الآخرين والشعور بهم سواء خلال الحصة الصفية أو استراحة الطعام. وتضيف الحياري، العطاء يترك أثرا طيبا في نفوس الآخرين، ويشعرهم بأنهم قريبون ومحبوبون. الاستشاري النفسي والتربوي الدكتور موسى مطارنة يشير إلى أن الأطفال يكتسبون سلوكياتهم وشخصياتهم وطريقة تعاملهم مع الحياة وقيمهم ومبادئهم في الحياة، وأفكارهم من خلال النماذج الأسرية والبيئة المجتمعية والأسرية التي يعيشون بها. والعطاء بحسب مطارنة، قيمة يجب أن يكتسبها الطفل من الأسرة من خلال مشاهدة نماذج العطاء بين الوالدين أحدهم اتجاه الآخر، وهذا يعلم الطفل معنى العطاء والإيثار، وهي صفة تترسخ لدى الطفل خلال مشاهدته لصور العطاء ضمن تفاصيل حياته. ويضيف، الشعور بالآخرين ومساعدتهم من أهم الصفات التي يأخذها الطفل من والديه خلال تنشئته، فإن حث الوالدان الابن لمساعدة زميله وإعطائه قلما أو مشاركته الطعام لمن لا يملكه، فهذا يعزز بداخله العطاء والشعور بغيره، وفق مطارنة. ويقول مطارنة، عندما نبدأ بهذه النماذج والسلوكيات والنمط الاجتماعي الأسري الصحيح ينشأ جيل معطاء، لافتا إلى أن هذه السلوكيات لا يوجد فيها أي نوع من التكلف، فالناس المعطاءة هم الذين نشأوا في بيئة فيها حث على العطاء ومساعدة الآخرين والمشاركة المجتمعية من الأم والأب في المجتمع في الوقت نفسه. ويبين مطارنة أن إنشاء جيل معطاء ويشعر بالآخرين ويساعد أصدقاءه ويقف إلى جانبهم، ينشئ مجتمعا قويا ومتماسكا ومتكافلا، وتحظى به الأجيال بحياة اجتماعية سليمة. من جهته يشير التربوي الدكتور عايش النوايسة إلى أن ترسيخ العطاء لدى الطفل يرتبط بالسلوكيات التي يتم ممارستها على مستوى الأسرة والمدرسة، فالأصل في العطاء أن نبدأ به من الأسرة من خلال السماح لهم بمشاركة أدواتهم مع أخوانهم، وكذلك طعامهم على مستوى البيت الواحد. على مستوى المدرسة يوجد العديد من الأفكار بحسب النوايسة، تنمي العطاء والمشاركة بين الطلاب من خلال الفطور الجماعي وتعزيز الأفكار التي تتعلق بمساعدة الآخرين، كمشاركة القرطاسية وهي ثقافة إيجابية موجودة منذ القدم. ويقول النوايسة، من الجميل أن نرسخ القيم والأخلاق التي ترسخها ثقافتنا وديننا وتربيتنا في سلوك الطفل، مثل التعاون والتبادل والعمل المشترك، وهي من أسمى القيم التي يمكن أن يربي الأهل الأطفال عليها. التعلم القيمي بحسب النوايسة، من أهم أنواع التعلم ذي الأثر الكبير على شخصية الطفل وبالتالي يجب التركيز على القيم بشكل عام، وتلك التي تركز على ثقافة التعاون والمشاركة والشعور بالآخرين والإحساس بهم. ويختم النوايسة، اليوم نمر بظروف مالية صعبة، وليس بوسع كل الأطفال امتلاك القرطاسية، لذا فإن ترسيخ صفات التعاون والمشاركة عند الأطفال والشعور بزملائهم مهمة جدا، وتنعكس بشكل إيجابي على الطفل داخل المدرسة وبين الطلاب. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان