كلام متأخر لمناسبة يوم المرأة

مر الثامن من آذار، احتفلنا بالمرأة أما، زوجة، ابنة، أختا، زميلة، عاملة، مربية، طبيبة، وزيرة ومدرسة، استحضرنا كل عبارات الإنشاء واستعدنا ذكريات التعبير بالمدارس لكي نكتب عبارات منمّقة تليق بالمناسبة، وامتلأ المتصفح الأزرق بكل عبارات التبجيل والثناء، ثم ذهبنا! نعم ذهبنا؛ فقد مر الثامن من آذار، انتهت المناسبة، رجع الجميع لعاداتهم القديمة، وضعت كل عبارات الثناء خلف الظهر، واستمرت الحياة، لم نسأل أنفسنا ماذا قدمنا للمرأة؟، كيف تعاملنا معها؟، هل أنصفناها جندريا؟، هل رفعنا عنها الظلم قانونيا؟ هل اختلف الحال وأعدنا النظر بكل القوانين والمواد التمييزية بحقها؟! قطعا لا، فكل الأمور بقيت كما هي، ومرت المناسبة! لسنا بصدد إعادة كلام نتحدث فيه كل عام، او إعادة التذكير بأن الاحتفال بالمرأة واحياء مناسبة اليوم العالمي الخاص بها يتطلب الغاء مواد بقوانين تقف حجر عثرة امام انصافها، وإن وجود تلك المواد ينم عن فكر ذكوري صرف. كل ذاك قيل عبر سنين مضت، ولم نقدم حتى اليوم ما يشي بتغيير طريقة تعاطينا مع نصف المجتمع، ولم نقدم تعديلات جوهرية على قوانين العمل والاحوال الشخصية والضمان وغيرها من القوانين التي ما تزال تتعامل مع المرأة من منظار جندري، وتحرمها من أبسط حقوقها. أجزم أن النساء لا يردن أن نقول لهن أنتن شقائق الرجال، فهذه حقيقة واقعة ومؤكدة لا جدال فيها ولا نخترع العجلة عندما نقولها، ولا يكفي ان نقول انها نصف المجتمع، فهذه المناصفة جاءت بفعل الديمغرافية الطبيعية والحقيقة السكانية ولا يد لنا فيها، وبالتالي فإن إعادة قولها كمن يفسر الماء بعد الجهد بالماء. المرأة التي هي شقيقة الرجال ونصف المجتمع كما يفضّل سوادنا ان يقول هي في حقيقة الامر مظلومة من الفكر الذكوري الذي يمارسه النصف الآخر بحقها، وهي بحاجة لقوانين لا تمييز فيها ولا تفريق، وبحاجة لكي تكون اداة بناء حقيقية من خلال روافع تساويها في الأجر والمعاملة، ومن خلال الاقرار بحقها ان تحصل على ما يحصل عليه الرجل من حقوق. المرأة التي احتفلنا فيها الجمعة الماضية بحاجة منا لتغيير نمط تفكيرنا نحوها، وألا نواصل إشعارها انها تعيش في ظل الرجل وتحت رحمته، بحاجة لوضع حد لتنمره عليها، اذ لا يعقل ان نحتفل بالمرأة ونحن نودع عاما سجل فيه اكثر من 5 آلاف حالة تعنيف بحقها، لا يجوز ان نحتفل بها ونحن ما نزال نرفض ان تمنح السيدة جنسيتها لأولادها، فيما يسمح للرجل فعل ذلك دون قيود او شروط او موانع، ودون استحضار مسببات تنم عن فكر قاصر، وعقل ذكوري صرف. كفانا انفصاما، فالمرأة يا سادتي لا تريد احتفالات ولا تكريمات، هي تريد انصافا في الحقوق والواجبات، تريد تمكينا في كل مكان لكي نذهب وإياها سويا نحو الاصلاح الذي نريد، فالإصلاح لا يمكن ان يبدأ او ينجح او يستمر دون ان تحصل المرأة على حقوقها، قولا وفعلا. هذه حقيقة ثابتة، فالإصلاح يبدأ من خلال معالجة اختلالات القوانين والتشريعات التي تظلم فئة وتمنح امتيازات لأخرى، الاصلاح يبدأ عندما تستطيع المرأة الأردنية أن تطمئن على مصير أبنائها، وعندما تشعر أن اولادها كأولاد الذكر يتمتعون بكل الامتيازات والحقوق، وأنهم أردنيون لأن أمهم أردنية. صدقا، علينا ونحن نحتفل بالمرأة ونستذكر الأم والزوجة والإبنة والأخت، أن نقر أن المرأة ليست ضلعا قاصرا، وليست عورة، ومن حقها ان تنصف في كل شئ، في القوانين والانظمة، في الممارسات العامة، فهي ليست جسدا وجد لتلبية رغبات الرجل، انما هي عنصر بناء لا يمكن بدونها ان يستقيم العمل، وهي أداة إصلاح حقيقية بإنصافها يصبح ميزان العدل قائما .اضافة اعلان