كلام × كلام = كلام تربيع

لعل أخطر ما يتعرض له الصغار في المجتمع، تناقض الكبار أو الراشدين مع القيم أو الأخلاق التي يدعون الصغار إلى التمسك بها، فلا يصدقون ولا يثقون بهم، فينشأ جيل جديد منهم أسوأ أو أكثر تخلفاً من الجيل القديم، ولا يتحقق التقدم في المجتمع.اضافة اعلان
التقدم يعني أن يتقدم الجيل الراهن في القيم والأخلاق والعطاء على الجيل السابق ويتفوق عليه. لكننا في هذه المنطقة من العالم ندور في حلقة مفرغة، حيث الجيل الراهن نسخة طبق الأصل أو مشوهة عن الجيل السابق.
من الأمثلة قيام الأبوين -أحدهما أو كليهما- بالتدخين، وتحريمه على الأبناء الذين يقولون في سرهم: إذا كان التدخين حسناً أو مفيداً فلماذا لا تسمحون لنا به؟ وإذا كان سيئاً أو ضاراً فلماذا لا تمتنعون عنه؟
وينطبق الأمر نفسه على بعض المعلمين والمعلمات في المدرسة، ولكنهم يعاقبون التلميذات أو التلاميذ المدخنين. وكذلك على الطبيبات والأطباء الذين يدخنون ثم يحذرون المرضى والمريضات من التدخين، وأنه يقصف العمر. هؤلاء وأمثالهم يعلمون الجيل سلوكهم وعاداتهم.
ولما كان الأمر كذلك لا يثق الأطفال بآبائهم وأمهاتهم، والتلميذات والتلاميذ بمعلميهم ومعلماتهم، والمريضات والمرضى بأطبائهم وطبيباتهم، ولا يتقيدون بالقيم أو النصائح التي يرفعون.
إن كلاً من هؤلاء الناس الراشدين يرفض تقليد أطفالهم، وتلاميذهم وتلميذاتهم أو مرضاهم ومريضاتهم لهم في التدخين، ومع هذا فإنهم يستمرون في التدخين ربما لأنهم فقدوا حريتهم وإرادتهم بالإدمان عليه.
لكن المسألة لا تتوقف عند هذه الحالة الكارثية، بل تتعداها إلى موضوع الحق: هل للأبوين والمعلمين والمعلمات والأطباء والطبيبات وغيرهم من أمثالهم، الحق في إيذاء الصغار أو المريضات أو المرضى بدفعهم إلى تقليدهم بالتدخين، أو بتعريضهم إلى ثاني أكسيد الكربون الذي يصدر عنهم؟! ربما تزيد المساوئ الأخلاقية للتدخين وغيره مثله، على المساوئ الصحية والمالية الناجمة عنه، ولكن معظم المدخنين لا يدركون.
هل يحق للأبوين ذلك؟ هل يحق للمعلمين والمعلمات أن يخونوا الأمانة الاجتماعية فيدفعون تلاميذهم وتلميذاتهم إلى التدخين الضار للصحة والجيوب؟ هل يحق لهم ذلك؟ وهل للأطباء والطبيبات الحق في ذلك؟ أعتقد أنه لا يحق لهم ذلك لأنهم لا يملكون الصغار أو المرضى والتدخين عدوان. ويجب على الدولة أن تتدخل لحماية الصغار والناس من أضرار الكبار أو الراشدين. هل يستحقون إعفاء ما أو زيادة ما على الراتب وهم يبذرون مئات الدنانير على عادة باطلة؟!
*******
اعتماد وزرة التربية والتعليم التقييم في التعلم والتعليم، خطوة جبارة بقينا ندعو إليها ونحث عليها لاستبدالها بالامتحان. وأخيراً جاء الوزير الذي لا يحمل أفكاراً تربوية تقليدية مسبقة ويصرّ عليها، وتبناه وأعمله فله كل التقدير، ولكن إجراء التقييم بالعينة أفضل وأقل كلفة، وإلا صار التقييم بالشمول أشبه بامتحان عام يخشى أن يأتي وزير ويمأسسه.
الفرق بين التقييم والامتحان كبير، فالتقييم يعني معرفة ما لدى المتعلم من رصيد التعلم في الموضوع. ما يملكه منه ويسيطر عليه، وما لا يملكه ولا يسيطر عليه. إنه محاولة لمعرفة عيوب التعلّم وبالتالي عيوب التعليم، وقيام المدرسة بعد ذلك بعلاجها أولاً بأول بصفتها المسؤولة عن ذلك. بالتقييم الأصولي المنتظم ينجح جميع الأطفال الأسوياء ويترفعون فلا يحتاجون إلى امتحان عام تنجح فيه القلة وتسقط فيه الكثرة. والطفل/ة التلميذ/ة يفرح بالتقييم لأنه لا يدينه بل يحسن تعلّمه.
أما الامتحان فيعني تعلم المتعلّم/ة نسبة أو كمية محدودة من المعلومات في الموضوع حتى تاريخ الامتحان، وإعطاء علامة له، يكرم بها المرء أو يهان، وتحميل المتعلم المسؤولية عنه وإبراء ذمة المدرسة منه فيرسب أو يتسرب لذلك لا يُرحب بالامتحان لأنه يدينه. وهكذا يتخرج الطفل في نظام قائم على التقييم وهو سليم التعلم والصحة النفسية. ويتخرج الطفل في النظام الامتحاني وهو مهشم تعلمياً ونفسياً وغير مرغوب فيه اجتماعياً.
وكما نلاحظ يشبه تقييم التعليم في المدرسة نظام ضبط الجودة في الإدارة والعمل. لو كانت المدرسة (والجامعة) تعتبر نفسها مسؤولة عن التعلّم لاستعادت كل خريج فيها إذا تبين فيما بعد أنه يعاني من عيب تربوي لإصلاحه.