كلفة السياحة وتقاليدها..!

علاء الدين أبو زينة في الحقيقة، لا يُفترض أن يعيش المواطن في بلد صغير المساحة مثل بلدنا ولا يتعرف إلى مدنه ويتجول في أنحائه ويجد في كل مكان ما يريح النفس. وينبغي أن تكون كلفة السياحة الداخلية في أي بلد أرخص كلفة وأيسر منالاً من السياحة الخارجية. كما يُفترض أن تكون السياحة الداخلية مصدرًا لتحريك النقود داخل البلد وتشغيل العاملين في قطاع السياحة بحيث لا يخرج زيتنا من دقيقنا. لكنك ستسأل، ويقولون لك، إن زيارة وجهات سياحية خارجية في المنطقة ستكون أرخص كلفة بوضوح من السياحة في الوطن. سيكون السفر إلى مكان تتضمن زيارته تذاكر الطائرة ذهابًا وعودة والإقامة في فندق جيد والطعام، والتسوق، أرخص من زيارات وجهات محلية. كما أن السائح الأجنبي عندما يقارن عروض الوجهات في منطقتنا سيجد فيها ما هو أقل عبئًا من الناحية المادية وأكثر تنويعًا في الخيارات، غالبًا بسبب العمل على تطوير العملية السياحية برمتها وحساباتها في تلك الأماكن. السياحة مشروع ينبغي أن يكون متكاملًا، تتشارك فيه كل القطاعات ذات الصلة، من الدولة والقطاع الخاص، ويُدار بطريقة مركزية. لا تنفصل السياحة عن الأشغال العامة، والبنية التحتية والطرق والشواخص، والطاقة والخدمات، والزراعة والتجارة، والثقافة الوطنية والشعبية، ووعي المواطن وعارض الخدمة، وجاذبية الاستثمار والكثير من العوامل. وينبغي أن تُحسب الأرباح والخسائر لدى جهة تعرف كامل الصورة، وتطبق مبادئ مثل تقليل السعر لصالح تكثير المشترين. كما أن السياحة ليست موردًا ماديًا فقط ولا لحظيًّا. إنها وسيلة لعرض الثقافة الوطنية وتاريخ المكان وجمالياته، وروح الشعب وأخلاقياته. وينبغي أن تُحسب هذه الغايات في تخطيط السياحة. لاحظتُ في رحلة داخلية قصيرة إلى الجنوب تحسُّنًا يستحق الثناء في البتراء، على سبيل المثال. في آخر زيارة قبل سنوات، كانت ثمة عيوب تمت الآن معالجتها، مثل المرافق الصحية ومركز استقبال الزوار وأرضية السيق، بالإضافة إلى الخدمات داخل المدينة من عند الخزنة. لكنّ بعض الخدمات مرتفعة التكلفة، مثل السيارة الكهربائية التي تكلف 90 دينارًا لرحلة الذهاب والإياب، و60 دينارًا للاتجاه الواحد. وهي تتسع لستة ركاب ويغلب أن يستأجرها رب الأسرة كاملة إذا كان معه أولاده أو والداه حتى لو قل العدد عن ستة. والأجرة للأجانب أعلى. تضاف إلى ذلك رسوم الدخول وما قد يستهلكه الزائر من مشروبات أو مأكولات خفيفة. وما تزال الخيول والعربات هناك، بما يصاحبها من إشكاليات بيئية أو حقوقية. في وادي رم، في مخيم، كانت فاتورة 4 أكواب شاي ومثلها من القهوة 14 ديناراً. وفي أي محل قهوة على الطريق ستكلف 4 دنانير – وقِس على ذلك. ولدى حساب كلفة المبيت ليلة واحدة واستئجار سيارة لرؤية الصحراء في رم، ستعادل كلفة رحلة إلى الخارج لأيام مع تذاكر الطائرة وإقامة في فندق جيد والوجبات. ومن التجربة الشخصية، كانت رحلة إلى رم والبتراء بمبيت ليلة واحدة في رم حول 200 دينار للفرد الواحد – من دون استئجار سيارة كهربائية في البتراء. ولعائلة من خمسة أفراد، بحساب ثمن وقود السيارة وبلا رفاهية كبيرة حوالي 1000 دينار (ليومين وليلة). والطريق، في وجود التحويلات بسبب التحديث، لم تكن هناك شواخص ترشد العائد من رم إلى البتراء إذا لم يكن من سكان المنطقة. وقد أعادنا نظام تحديد الموقع “جي. بي. إس”، عند أحد المفترقات إلى نفس المكان بعد دورة طويلة. وعندما تجاهلناه وتجاوزنا النقطة التي يعيد إليها، أرسلنا في شوارع داخلية في الجبال ليس فيها طارق، حتى أن المرء سيشعر بالرهبة إذا تصور أن تخذله مركبته هناك وكان وحده. بعيدًا عن التفاصيل الكثيرة، والمهمة، يتولد انطباع بأن نوعية الخدمة لا تساوي الكلفة. وإذا أرادت الدولة أن تضع السياحة في مكونات هويتها الاقتصادية وكمصدر يُعتمد عليه وطنيًا، فثمة الكثير مما ينبغي عمله، وأوله الإنفاق بسخاء أولاً وتقليل سعر العرض حتى يكثر الطلب. وينبغي أن يشمل الإنشاء تطوير المكان والإنسان نحو تكوين سياحي يمكن الحديث عنه. ثمة ملاحظة لرفيق في الرحلة، مثلاً، على سلوك البعض من الشبان المشتغلين بالسياحة في وجهة زرناها، الذي يشبه التحرش بالسائحات الأجنبيات، وفيه “ثقل دم” في عرض السلع الصغيرة على الأجانب بأسعار غير معقولة (أغلى من المحلات في المنطقة). ثمة ثقافة للسياحة، تجمع بين الكرامة واستحقاق الثقة، وتخلو من الطمع والتهافت والتنفير، وتشمل المشتغلين بالسياحة وكل المواطنين. لا يجوز أن تحاول بيع علبة سردين صدئة لسائح على أنها فن يدوي نبطي، وهكذا. المقال السابق للكاتب اضافة اعلان