كلمات نابية ومهينة يستخدمها آباء وآثار "عدوانية" يرثها الأبناء

55
55
منى أبو حمور رغبته الدائمة في البقاء وحيدا بعيدا عن أقرانه في الصف والشعور بالخوف والقلق والتوتر، هو ما يلازم الطفل خالد أحمد (اسم مستعار) الذي لم يتجاوز التاسعة من عمره، حيث يفتقد ثقته بنفسه وقدرته على التواصل مع الآخرين. لم تترك تلك المشاعر السلبية لدى خالد فرصة للتقرب إلى زملائه بل على العكس تماما جعلت منه شخصا عدوانيا، يصد كل من يبادر التقرب إليه بعنف ورفض غير مبررين، الأمر الذي دفع المرشدة التربوية في مدرسته ليلى الصمادي التي استهجنت طريقة تعامله مع أقرانه في المدرسة. العنف اللفظي المتكرر الذي يتعرض له خالد داخل أسرته، ترك أثرا سلبيا في نفسه بحسب الصمادي التي استدعت والديّ خالد لإبلاغهم بالشخصية العدوانية التي يتصرف بها مع زملائه في الصف وعدم ثقته بأحد من حوله حتى معلمته. الأمر ذاته يتكرر مع فرح سلطان (اسم مستعار) وعمرها (10 أعوام)، إذ تستمر بشتم من حولها وترفض اللعب مع بنات العائلة اللواتي من عمرها. عنف فرح مع أقرانها وانطواؤها على نفسها وخوفها بات ملحوظا لكل من يتعامل معها، إلا أن تكرارها لبعض الألفاظ المسيئة التي اعتادت على سماعها داخل المنزل هو ما لفت انتباه من حولها الذين استهجنوا معرفة طفلة صغيرة بهذا العمر لمثل تلك الألفاظ. دراسة نشرها موقع (سي إن إن)، أظهرت أن صراخ الوالدين على أطفالهما، أو توجيه كلام بذيء أو إهانات يضرّ بهم. فقد وجد باحثون أنه عندما يؤدّب الأهل أبناءهم المراهقين من خلال الصراخ عليهم، أو شتمهم أو إذلالهم مرتين أو أكثر في الأسبوع، يكون المراهقون أكثر عرضة للتصرف بشكل سيئ في المدرسة، أو للكذب على الوالدين، أو السرقة، أو التشاجر، أو بروز علامات الاكتئاب عليهم. وصنف الأمين العام للأمم المتحدة في دراسة تم نشرها على موقع الأمم المتحدة أن العنف ضد الأطفال يقسم إلى أربعة أنواع رئيسة تتمثل في العنف الجسدي والعنف النفسي والعنف الجنسي والإهمال، وأن هذه الأنواع الأربعة من الممكن ان تحدث في خمسة ظروف بيئية وهي (1) المنزل (2) المدرسة (3) مؤسسات الرعاية الاجتماعية (4) أماكن عمل الأطفال (5) وفي المجتمع المحلي. الإساءة اللفظية هي أحد أشكال العنف النفسي وحدوثها عادة قد يرافق تعرض الطفل للعنف الجسدي والعنف الجنسي والإهمال، وحدوثها غير مقصور على المنزل فقد تحدث في جميع البيئات التي يتوجد بها الطفل وخاصة في المدرسة أو مؤسسات الرعاية الاجتماعية أو في أماكن عمل الأطفال. خبراء أكدوا لـ “الغد” الأثر النفسي والاجتماعي الخطير الذي تلقيه مثل هذه التصرفات على شخصية الطفل وتقديره لذاته، لافتين إلى أن شخصية الطفل هي نتاجات لما يتلقونه من ذويهم وطريقة التعامل معهم طوال فترة تنشئته الاجتماعية التي تنعكس بشكل مباشر على تعامله مع أفراد أسرته والمجتمع المحيط به. اختصاصية الإرشاد التربوي الدكتورة سعاد غيث تشير إلى أن المشكلة في هذا النوع من الإساءات إذا كانت متكررة ومستمرة وأسلوب أساسي يعتمده الآباء في توجيه سلوك الطفل الخاطئ وتعديله وهذا يزيد من الأثر السلبي في حب الطفل وتقديره لذاته وشعوره بإيجابية اتجاه نفسه. وتؤثر هذه التصرفات بحسب غيث على علاقة الطفل بمن يوجه له هذه العبارات، فالطفل لا يحب من ينعته بنعوت سلبية ويقسو عليه بالكلمات ويجرحه، فالعلاقة ستكون سلبية والآباء سيخسرون تأثيرهم الطيب والإيجابي على أبنائهم في حال أكثروا من استخدام الإساءات الجارحة. وتقول غيث “هذه الإساءات لن تعدل سلوك الطفل”، فهي غير وظيفية ولا تؤتي أكلها ولا تحقق المراد وبالتالي يستمرون بها لأنهم لا يقيمون علاقتهم بالأطفال. وتلفت غيث إلى أن الأجدر بالآباء والأمهات الإشارة إلى الخطأ وليس المخطئ والتحدث بعبارات جيدة وطيبة وإعطاء الملاحظات بطريقة منطقية أو التزام الصمت وعندها يتعلم الطفل أن عائلته غير راضية عن التصرف الذي يقوم به بالتالي يسعى إلى تعديله. وتلفت غيث إلى أن الأطفال يقلدون الأهل في تعاملهم مع أخوانهم وأقاربهم وأصدقائهم في المجتمع، فلا يمكن توقع ابن لطيف عفيف اللسان، ووالداه يستخدمان معه ألفاظا جارحة ومسيئة، لافتة إلى ضرورة أن يقوم أولياء الأمور بتجهيز الأبناء على أن يكونوا لطفاء في التعامل واللباقة واللطف بالعبارات وهو جزء من الذكاء الانفعالي والاجتماعي. أخصائي علم النفس التربوي الدكتور موسى مطارنة يلفت بدوره إلى أن التنشئة التربوية والأسرية تحمل مهمة كبيرة في الإعداد وبناء الذات لأن الطفل يولد صفحة بيضاء ويتم منحه التجربة والمبدأ والفكرة والأساس وكل شيء من خلال التنشئة الاجتماعية وهي الأسرة. ويحتاج الطفل بحسب مطارنة ضمن خصائصه النمائية إلى أساليب تربوية صحيحة قائمة على الاعتدال والتعليم والتدريب وبناء المفاهيم والقيم ضمن منظومة كاملة، فالصغير عندما يولد يخرج من عالم السكينة إلى عالم الضوضاء، ويلجأ بشكل فطري إلى حضن والدته باعتباره مكان الأمان وهو أولى خطوات بناء الذات، بقدر ما تعطي الأم الأمان لأولادها وبقدر ما يشارك الأب في تعزيز ذلك الأمان تكون لديه ثقة عالية بالنفس. ويحذر مطارنة من الصراخ بوجه الطفل وتفريغ موجات الغضب والعصبية لأن ذلك يرعبه، الأصل أن يحفز دائما ويعطى مساحة كافية من متطلبات النمو كاملة. ويقول مطارنة، “عند قمع أي فكرة من الأفكار لدى الطفل تؤثر على بناء ذاته فهو بحاجة إلى من يجيب عن تساؤلاته لأن في حالة نمو عقلي وفكري وانفعالي”، متابعا أن على الأسرة أن تتفهم متطلبات الأطفال النمائية. ويضيف مطارنة، “نعت الأطفال بالفشل دائما يشعرهم بالإهمال والدونية وينشأون منغلقين على أنفسهم وهذه التربية لها نتائج سلبية على النفس والإنسان. هؤلاء الأطفال بحسب مطارنة يعانون من تدني الشعور بالذات والمهارات وأحيانا يكونون عدوانيين لأن لديهم إحساسا بالنقص دائما ويسقطونه على الآخرين، وبالتالي لا يثقون بأنفسهم كثيرا بالتحصيل ويخافون من الخطأ، وهذا كله له نتاجات سلبية على الشخصية التي تصبح قائمة على العنف وعدم الجدية والإيمان بالذات وغير قادرين على ممارسة حياتهم وحاقدين على المجتمع. الخبير في مواجهة العنف الدكتور هاني جهشان مستشار الطب الشرعي، يبين بدوره أن عواقب الإساءة اللفظية تعتمد مباشرة على ما يرافقها من أشكال العنف الأخرى كالعنف الجسدي أو الجنسي أو الإهمال، وأيضا على علاقة المسيء بالطفل فتكون أشد إذا كان هناك علاقة مباشرة مع المسيء كالأم أو الأب، وأيضا تعتمد على تكرار الإساءة اللفظية وشدتها واستمرار فترة حدوثها على عدة عواقب، مثل اضطرابات في نمو الطفل الجسدي والعاطفي والفكري، مص الأصبع أو الإبهام، الانطواء والانسحاب الاجتماعي، الاكتئاب، القلق، الخوف، اللعثمة في الكلام، اضطرابات في النوم، اضطرابات الطعام. ويؤكد بدوره على ما جاءت به الدراسة من إساءة لفظية تدفع الطفل إلى الانطواء وعدم القدرة على التفاعل الاجتماعي مع الأقران وصعوبة في تكوين صداقات، انخفاض تقدير الذات، الانقياد السلبي نحو الآخرين، فضلا عن حدوث اضطرابات المزاج والخوف الشديد والهلع والسلوك المضطرب، السلوك الانسحابي والاستثارة الزائدة، صعوبة التركيز وصعوبات النوم، قد يعاني من أعراض انفعالية تتضمن الغضب والإنكار والكبت والخوف، الشك والشعور بالعجز، الشعور بالبلادة. هذا الطيف من العواقب بحسب جهشان ليس بالضرورة أن تظهر جميعها وقد تتفاوت في فترة ظهورها وشدتها اعتمادا على التفاوت في شخصية الطفل وآليات الدفاع الذاتي والمرونة لديه، بالإضافة للعوامل التي ذكرت أعلاه وهي (علاقة المسيء بالطفل وشدة الإساءة وتكرارها وفترة حدوثها). ولا تقتصر الإساءة اللفظية وفق جهشان على الألفاظ النابية والنعوت السيئة، فحسب وإنما بالرفض والنبذ عن طريق النقد المستمر للطفل من مثل مناداته بأنه قبيح، والصراخ والشتم، والتقليل والتصغير من قدرات الطفل ونعته بألفاظ من مثل الغبي والأبله، ويشمل أيضا إطلاق النكات على الطفل والتحقير من شأنه، وكذلك السخرية حول مظهر جسم الطفل أو زيادة أو نقصان وزنه، وتشمل أيضا إظهار الأسف والندم للطفل على ولادته بجنس معين. ويرافق الإساءة اللفظية عادة عدم إظهار بوادر الحب ونبذ الطفل عن النشاطات المناسبة والضرورية لمرحلة نموه، وعزله عن أصدقائه أو حبسه في غرفة، وإرغامه على الدراسة المفرطة أو إرغامه على القيام بالأعمال المنزلية ومنعه من اللعب بألعاب يفضلها، وفق جهشان. وقد تأخذ الإساءة اللفظية وفق جهشان مظاهر شديدة القسوة كالصراخ المستمر على الطفل والردود المتقلبة وغير المتوقعة استجابة لسلوك الطفل، والتهديدات الشفهية المتكررة والمستمرة، وتهديد الطفل بتركه في مكان منعزل أو التخلي عنه او التخلص منه ووضعه في مؤسسات رعاية اجتماعية أو رميه للشارع، التهديد بتكسير وتحطيم الألعاب المفضلة لديه أو التهديد بضرب أفراد الأسرة الآخرين أو الحيوانات الأليفة التي قد تكون بالمنزل والمحببة لديه، أو التهديد بكشف عيوب الطفل أمام أصدقائه أو الأقارب. ويؤكد خبراء على أن الأساس في الوقاية من العنف والإساءة هو القيام ببرامج تعتمد على توعيه عموم المجتمع قبل حدوث العنف وهي ما تسمى “الوقاية الشمولية” وهذه البرامج يجب أن يتم تصميمها وتنفيذها ورصدها وتقييمها بوسائل وآليات علمية أكاديمية لها معايير تقيس نجاح مخرجاتها تستهدف كامل فئات المجتمع على المستوى الوطني. التوعية وتغيير الاتجاهات الاجتماعية تحتاج لعشرات السنوات، وهذا يتطلب أن تكون هذه البرامج قابلة للاستدامة، كما ان مسؤولية الحكومة هنا ليست اختيارية، فحسب الاتفاقيات الدولية، الحكومة مسؤولة عن تغيير اتجاهات السكان السلبية التي تنتهك حقوق الإنسان ومنها العنف ضد الأطفال بكافة أشكاله. اقرأ أيضاً: اضافة اعلان