كله عمل ولا مساحة للعب: لماذا عدد الأطفال العاملين في ارتفاع

تقرير خاص – (الإيكونوميست) 18/9/2021
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

فريتاون، سيراليون - يتذكر إدوارد باكا، مدير المدرسة في منطقة كونو المجاورة لأكبر منجم ذهب في سيراليون، كيف اضطر ذات مرة إلى بيع كتبه المدرسية من أجل دفع ثمن سقف يؤويه. ويعتقد أن 80 في المائة من بين 700 طفل تتراوح أعمارهم بين 4-13 عاماً ممن يدرسون تحت رعايته يعملون أيضًا. ويكدح معظمهم في المناجم أو في المزارع. ومن السهل التعرف على الأطفال العاملين. إن لديهم طاقة أقل. ولا يمكنهم التركيز. ولديهم مشاكل صحية. وفي الآونة الأخيرة، لقي طفل من مدرسة مجاورة مصرعه في انزلاق طيني حدث في أحد المناجم. ويقول السيد باكا: "يعلم الجميع أن عمل التعدين ليس للأطفال".
وسوف يتفق معظم الناس مع هذا الرأي. لكن تجربة تلاميذ الأستاذ حسن تظل أقل فرادة مما قد يأملون. فقد وجد تقرير حديث صادر عن منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف) ومنظمة العمل الدولية أن عدد الأطفال العاملين في جميع أنحاء العالم قد ارتفع بين العامين 2016 و2020 لأول مرة منذ العام 2000 ليصل إلى 160 مليونًا، مع تركُّز مجمل صافي الزيادة في منطقة أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى. في هذه القارة، يعمل أكثر من خُمس الأطفال، أو حوالي 87 مليون طفل. ومما يثير القلق أن هذه الأرقام لا تظهر تأثير "كوفيد-19"، الذي دفع بشكل شبه مؤكد المزيد من الأطفال إلى العمل بسبب إغلاق المدارس وتزايد الفقر. ووجد مسح أجري في جمهورية إفريقيا الوسطى لـ102 من مناجم الماس أنه بين العامين 2019 و2020، زاد عدد العمال دون سن 15 عامًا بنسبة 50 في المائة.
في مقلع للحجارة يقع على مشارف فريتاون، عاصمة سيراليون، يبدو هيكل عثمان العضلي مشدوداً أكبر من المألوف في هيكل طفل في الثانية عشرة من العمر. وهو يريد أن يصبح طبيباً، لكنه يقضي الآن أربع ساعات في اليوم في تكسير الصخور وتحويلها إلى حصى. وقد تسبب له العمل في كثير من الندوب والكدمات. وتعتقد منظمة العمل الدولية أن حوالي 39 مليون طفل أفريقي ينخرطون في أعمال خطرة مماثلة، مثل صيد الأسماك أو التعدين.
بل إن العمل يكون في بعض الأحيان أكثر استغلالًا. كثيراً ما يقوم الآباء بإرسال أطفالهم من الريف إلى المدن للحصول على التعليم، فقط ليقوم الأقارب أو المعارف أو العصابات الإجرامية بتشغيلهم. ومن هناك يمكن أن يسيروا في "منحدر زلق" نحو الاتجار بالأطفال وأشكال أخرى من الإساءة، كما يقول جيمس رياك، الذي يعمل في فريتاون مع "الهدف"، وهي منظمة أيرلندية غير حكومية. من زامبيا إلى نيجيريا، يكدح ملايين الأطفال الذين تقل أعمارهم عن خمس سنوات كخدم في المنازل. وفي نيروبي، حيث مهنة "المساعدة في المنزل" شائعة، تعد عمالة الأطفال واحدة من أكثر المشاكل شيوعًا التي ذكرها الأشخاص الذين يتصلون بالخط الوطني لمساعدة الطفل في كينيا.
لكن بعض الأكاديميين يجادلون بأن العمل يفيد الأطفال في بعض الأحيان. فكِّروا في طفل يعمل لمدة ساعة قبل المدرسة في مزرعة والديه، كما يقول جيم سومبرغ من معهد دراسات التنمية بجامعة ساسكس. سوف يكون هذا نموذجياً، بالنظر إلى أن 70 في المائة من الأطفال العاملين يعملون في المزارع. قد يتعبه ذلك وقد يستخدم مجرفة، وهو ما تعتبره منظمة العمل الدولية خطيراً، وبذلك تضعه ضمن تعريفها لـ "أسوأ شكل من أشكال عمالة الأطفال"، وهي فئة تشمل تجنيد الأطفال والدعارة. ومع ذلك، لو أنه لم يعمل، فقد تجوع الأسرة بأكملها.
ويعرب خبراء آخرون عن القلق من أن التدخلات حسنة النية يمكن أن تجعل الأمور أسوأ بالنسبة للأطفال. وهم يشيرون إلى الحملة الدولية القوية للقضاء على عمالة الأطفال في صناعة الكاكاو، على الرغم من أن 94 في المائة من الأطفال العاملين في هذه الصناعة يعملون لدى آبائهم أو أقاربهم. وقد أدى تجريم عمالة الأطفال إلى تنفيذ مداهمات على المجتمعات وحوادث قامت فيها المنظمات غير الحكومية بإخراج الأطفال من مزارع الكاكاو أو قرى الصيد النائية، كما حدث غالبًا في غانا. ويقول صامويل أوكيير من جامعة بريستول: "إن انتزاع الطفل من أسرته، أو في الواقع منع الطفل من العمل، ليس حلاً على الإطلاق. لا يمكنك وضع جميع الأطفال العاملين في دور الأيتام".
تقول "الحركة الأفريقية للأطفال والشباب العاملين"، وهي نوع من اتحاد للأطفال العاملين والذي ينشط في 27 دولة، أنه ليس لدى أعضائها خيار سوى العمل. وبدلاً من تجريم العمل، فإنها تدعو إلى توفير حماية أفضل للأطفال العاملين.
وقد تعرضت مثل هذه الآراء إلى انتقادات شديدة من قبل الحكومات والمنظمات الدولية. إن فكرة وجوب وجود معيارين للحقوق -أحدهما للأطفال الأكثر ثراءً والآخر للأطفال الأكثر فقراً- هي فكرة "غريبة بعض الشيء"، كما يقول بنيامين سميث، خبير عمالة الأطفال في منظمة العمل الدولية. ويرفض آخرون احتمال تقويض الخطوات الهائلة التي تم إحرازها في اتجاه توفير التعليم المجاني للأطفال في جميع أنحاء القارة. ويقول سابيلو مبوكازي من الاتحاد الأفريقي أنه، حتى لو كانت جودة التعليم رديئة، فإنها تظل تمنح الأطفال فرصة لتحسين أوضاعهم.
ثمة القليل من الخلاف حول الدوافع الكامنة وراء زيادة عمالة الأطفال. ويقول سميث: "إنه ليس لغزًا كبيرًا، الفقر هو السبب الجذري والرئيسي". وتشير الدراسات التي استشهدت بها منظمة العمل الدولية إلى أن ارتفاع نسبة الفقر في بلد ما بنقطة واحدة يؤدي إلى زيادة قدرها 0.7 نقطة مئوية على الأقل في عمالة الأطفال.
في الإكوادور، كانت التحويلات النقدية فعالة في إبقاء الأطفال في المدرسة وخارج الحقول. وسوف يجعل الاستثمار في المدارس والمدرسين والموارد المدارس تستحق ارتيادها في أعين الطلاب وأولياء الأمور. وسوف تُحدث الفرص التي تُمنح للأمهات فرقًا أيضًا. وتقول مابينتي دوكوراي، التي تعمل في مقلع مع أطفالها الستة: "لم أختر هذا لأولادي". وتقول هي ونساء أخريات أن توفر المال لبدء أعمالهن الخاصة، مثل كشك في السوق أو صالون لتصفيف الشعر، سيسمح لأطفالهن بالتوقف عن العمل. وقد تكون بعض النساء أفضل حالًا في زراعة الخضار، كما يقول محمد جلوح، الذي يطور مثل هذا المخطط في كونو.
ومع ذلك، في الوقت الحالي يمكن لقلة قليلة من الأطفال الفقراء أو آبائهم الوصول إلى مثل هذه المخططات. وحوّاء وابنتها البالغة من العمر عشر سنوات هما من بين عشرات الأشخاص الذين يبحثون في برك من الطين الأحمر في كونو على أمل العثور على الذهب. ولدى حواء أربعة أطفال أكبر عمراً، لكن ابنتها هي الوحيدة التي توافق على المساعدة في المنجم. واسم عائلتها هو باكا. حتى ابنة مدير المدرسة تعمل في منجم.

اضافة اعلان

*نشر هذا التقرير تحت عنوان: All work and no play: Why the number of children working is rising، and what to do about it