كليات طبية جديدة.. لا عزاء للمصلحة العامة

لم تتردد الحكومة ولو للحظة واحدة، وأقرت إنشاء ثلاث جامعات طبية خاصة، ضاربة بعرض الحائط جميع الآراء المتخصصة التي أكدت أن هذا القرار لا يصب في مصلحة التعليم ولا في جودته، كما أنه لا يصب أبدا في مصلحة التنمية الاقتصادية، بل على العكس تماما، فهو يفاقم مشاكل حقيقية وجدية.اضافة اعلان
أرقام خريجي الطب الأردنيين باتت معروفة للجميع، فما بين خريجين من جامعات أردنية وخريجين من الخارج لدينا على الأقل (2600) طبيب.
لذلك فإن الحديث عن أي عملات صعبة يمكن أن يساهم بها 60 % من الطلبة غير الأردنيين الدارسين في تلك الجامعات حسب شروط القرار، لن تكون كافية لردم الهوة الكبيرة الناتجة عن 40 % من الأردنيين الدارسين فيها والذين لن ينتظرهم سوى البطالة.
هؤلاء سوف يضافون إلى ما يزيد على (1500) طبيب عاطل عن العمل ومن الممكن أن يتضاعف هذا العدد بالنظر إلى الأرقام الهائلة للمقبولين في التخصصات الطبية هذا العام في ست كليات طبية في الجامعات الحكومية، كما أنهم سيضافون إلى الأطباء الذين لا تتوفر لهم فرصة إتمام شروط الامتياز ولا فرصة الالتحاق ببرامج الإقامة في مستشفيات الأردن التي لا يمكنها استيعاب سوى (1000) طبيب بالحد الأقصى في هذه البرامج.
هذه الأرقام خيالية، ورغم خياليتها إلا أن الحكومة وكما يبدو لم تفكر بها نهائيا ولم تأخذها في الحسبان حين اتخذت هذا القرار، ولم تتوقف عند آراء متخصصين كثر نبهوا إلى خطورة مثل هذه الخطوة مثل وزيري الصحة الأسبقين د. مجلي محيلان، ود. زيد حمزة، ووزير التربية والتعليم والتعليم العالي الأسبق د. عزمي محافظة، والوزير الأسبق د. صبري ربيحات، ونقيب الأطباء د. علي العبوس، ونقيب أطباء الأسنان د. عازم القدومي، وغيرهم كثيرون، لكن السؤال يبقى قائما: لماذا لم تأخذ الحكومة بآرائهم؟
يبدو أن الحكومة لم تحسب الأسماء السابقة ضمن “بيت الخبرة الأردنية”، فالخبرة لدينا تنتهي بمجرد خروج المسؤول من الوظيفة العامة، وليس من ضمنها أيضا التمثيل النقابي الذي يمثله نقيب يحاول أن يضغط من أجل سياسات عامة عادلة لمن يمثلهم.
لكن أن تعارض الحكومة نفسها في سياسات التعليم والتشغيل وما بينهما من استهداف للوظائف الحيوية والمطلوبة، وربط مخرجات التعليم بحاجات سوق العمل، فهذا ما لا يمكن لأحد أن يهضمه. نعم لا يمكن هضم هذا التعارض الأساسي في سياسات الحكومة، إلا إذا صدقنا أن ثمة ضغوطات كبيرة لم يكن من الممكن تجاوزها مورست على متخذ القرار. فهل بإمكاننا فهرسة هذا القرار تحت هذه الاعتبارات؟!
كان بودنا لو تعرفنا إلى رأي وزير العمل نضال البطاينة حول القرار وهو الذي طالما نادى بتجنيب الطلبة دراسة التخصصات المشبعة، بينما تقر الحكومة البدء بإجراءات ترخيص جامعات جديدة لتدريس التخصصات الطبية التي باتت اليوم مشبعة أو شبه مشبعة.
ألم تلحظ الحكومة بأن ثمة علوما ما تزال تنافس في مضمار مهن المستقبل، لكننا أردنيا حتى اليوم لم ننتبه إليها سوى في حقول محدودة جدا، ومن مسؤوليتنا أن نتوسع بها لنضمن أن يكون لنا وجود حقيقي ومنافس في المستقبل!!! ألا تدرك الحكومة أن علوم الذكاء الاصطناعي مثلا، أولى اليوم بأن تخصص لها مساقات وكليات وجامعات لنلحق في ركب الحاضر والمستقبل!!
الحكومة لم تكن أبدا في هذا السياق، هي فقط صمت أذنيها، وكما قيل، انساقت وتواطأت علينا مع مستثمرين لايعنيهم سوى تحقيق مصالحهم المادية، أما مصلحة الوطن والمواطن فقد ظلت خارج كل الحسابات في هذه الخطوة، فهل تعيد الحكومة قراءاتها وتنحاز قليلا إلى المصلحة العامة الواضحة تماما أمام أعين الجميع كالشمس في منتصف النهار؟!!