كل المسؤولين يعرفون "العلة"

لن أتحدث عن حادثة مستشفى السلط الحكومي الجديد، ولا عن ضحاياها، الذين أتضرع إلى الله عزوجل أن يتغمدهم بواسع رحمته، فهذه الواقعة، منذ حدوثها، في صبيحة يوم الثالث عشر من آذار الحالي، قد أشبعت بحثًا وتمحيصًا من جميع جوانبها.. لكن ما يجب التنبيه له أو الإشارة إليه أن الكل بلا استثناء، سواء أكان وزيرًا أو عينًا أو نائبًا أو مسؤولًا قياديًا، إلا وأكد أن المشكلة التي يُعاني منها الأردن، تكمن ومنذ أمد بعيد، في الترهل الإداري، وتراجع أداء القطاع العام.اضافة اعلان
ما يجعل المرء يقف على أطراف أصابعه، هو أن الكثير من المسؤولين في هذا البلد متيقنون ومتأكدون بأن مشاكل وتحديات الأردن، تكمن في البيروقراطية، وعدم وضع الشخص المناسب، ذي الكفاءة، في مكانه الصحيح.. لكن وللأسف فإن أولئك المسؤولين، ممن يصدحون بأعالي أصواتهم، مؤشرين إلى بواطن الخلل في القطاع العام، هم أنفسهم كانوا أبطال ذلك “الخلل”.
نعم، أبطال “الخلل”، فهم دومًا لا يتناهون عن استخدام واسطة أو محسوبية، لظلم أناس أصحاب كفاءات وخبرات.. كل ذلك من أجل تعيين أقارب أو معارف، في أماكن لا يستحقونها أبدًا، بطريقة تدل على أنهم غير معنيين بعدالة أو إحقاق حق، وغير آبهين بالوطن وأبنائه.. “لبئس ما كانوا يفعلون”.
معلوم للجميع، الصغير قبل الكبير، والأُمي والمتعلم، بأن الظلم ظلمات، ناهيك عن أنه سبب رئيس للقضاء على الانتماء أو الإخلاص أو الولاء، للأسرة أولًا فالمؤسسة التي يعمل بها، ثم الوطن، والخسارة هنا حتمًا ستكون كبيرة وعواقبها وخيمة.
الأمر الذي يُسبب غيضًا في النفوس، هو أن مسؤولينا يقرون بأن المشكلة في الترهل الإداري، وغياب العدالة، وعدم تكافؤ الفرص، إلا أنهم جميعًا، وبلا استثناء، لا يقدمون على خطوة واحدة، قد تكون البداية، للقضاء على هذه المشكلة، التي بدأت واضحة للعيان منذ أواسط تسعينيات القرن الماضي.
خلال الأيام الماضية، ردد أصحاب مناصب عليا، أسطوانة، باتت مشروخة وغير مقنعة للسواد الأعظم من الشعب الأردني، تتمحور حول “ضرورة تفعيل مبدأ المساءلة والمحاسبة بحق المهمل بواجباته الوظيفية، وأن هناك غيابا لحس المسؤولية، وكذلك الرقابة”.. وهم أنفسهم، من قاموا بظلم كفاءات وأصحاب حق، مقابل تعيينات لأشخاص، بعيدين كل البعد عن الكفاءة، فضلًا عن أنهم يقترفون مثل تلك الأفعال، ليلً ونهار.
الكثير من أبناء الشعب يستنكر ويستهجن، تصريحات أولئك المسؤولين، الذين يقولون ما لا يفعلون، وهمهم الأول والأخير مصلحتهم وأبناءهم وذراريهم، فالمثل الشعبي يقول “إذا كان رب البيت بالدف ضاربًا، فشيمة أهل البيت كلهم الرقص”.
ضحايا “حادثة السلط”، هم الآن عند من خلق الكرم والعدل، وحرّم الظلم على نفسه.. أتضرع إليه جل في علاه أن يدخلهم الجنة بلا حساب أو سابقة عذاب، ولذويهم الصبر والسلوان.. لكن يجب أن نتعلم ونأخذ العبر والدروس، حتى لا تحصل مثل هذه الحوادث في مقبل الأيام.
ليس عيبًا أن نتعلم من الأخطاء والهفوات، وليس نقصًا أن نتجاوز عما مضى، لكن العيب والخطأ هو الاستمرار في ما نحن عليه، والقبول بالأمر الواقع (الترهل الإداري والبيروقراطية)، الذي أوجده و”قوننه” زمرة لا يرقبون إلًا ولا ذمة في أي أردني… محاسبة كل مقصر أمر مطلوب، لا مهاودة فيه، كي يكون عبرة لمن بعده، لكن ما هو أهم وأصح القضاء على تلك الظواهر، وبترها تمامًا، عندها سيكون الأردن أحلى وأجمل وأقوى.