"كل شيء مطروح على الطاولة": في عالم السياسة الأميركية، ماذا يعني ذلك حقاً؟

بيناي بليند* - (ذا بالستاين كرونيكل) 14/11/2019
ترجمة: علاء الدين أبو زينة

اضافة اعلان

هناك الكثير من الصعوبات في غزة والتي يمكن تخفيفها بالمعونات، لكن تلك المساعدة من دون حرية الحركة، ومن دون وظائف تجلب دخلاً، ومن دون الحق في في الحصول على تعليم -وباختصار، من دون الحق في العيش بكرامة كما ينبغي للبشر- ستكون في أحسن الأحوال مجرد إسعافات أولية للوضع السيئ. والأهم من ذلك كله أنه من دون إجبار إسرائيل على التوقف عن قصف غزة بشكل عشوائي بهدف محو مجموعة كاملة من الناس وتطهيرهم عرقياً، فإن المساعدات المقدمة من الولايات المتحدة للقطاع لا قيمة لها. كيف يمكن للناس إعادة البناء والتركيز على عائلاتهم وعلى تعليمهم إذا كانوا يعلمون أن كل ذلك يمكن تدميره بين عشية وضحاها؟

  • * *
    لأسابيع عدة منذ مؤتمر منظمة "جيه ستريت" JStreet، ركز العديد من المعلقين السياسيين على الكيفية التي ضمَّن بها المرشحون الديمقراطيون الذي تحدثوا في الاجتماع إمكانية استغلال المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل كجزء من برامج حملاتهم الانتخابية.
    في مقال بعنوان "الديموقراطيون يواجهون أخيراً المساعدات العسكرية لإسرائيل"، أشار جوش روبنر إلى أن بيرني ساندرز اقترح إعادة تخصيص بعض المساعدات العسكرية لإسرائيل وتوجيهها نحو إرسال مساعدات إنسانية إلى قطاع غزة. وأعلن بيت بوتيجيج أن المساعدات المقدمة لإسرائيل يجب أن تكون "متوافقة مع أهداف الولايات المتحدة والقانون الأميركي".
    وفي حديث لها عبر الفيديو، دانت إليزابيث وارين الزيادة في بناء المستوطنات، بينما اتخذت وارين في أماكن أخرى، -كما أشار آدم كريدو- "موقفاً متشدداً" بقولها "إن كل شيء مطروح على الطاولة" عندما يتعلق الأمر بـ"فرض حل دولتين على الصراع العربي-الإسرائيلي".
    وتبدو تغطية كريدو لكلمات وارين دالّة: "وارين تهدد إسرائيل: ‘كل شيء مطروح على الطاولة’".
    تشكل تعليقات وارين على الأرجح تحدياً لفظياً للدعم الأميركي غير المشروط للسياسات الإسرائيلية، وهو ما كان واقع الحال في الماضي. أما أبعد من ذلك، فهي لا تبتعد كثيراً عن القصة الرسمية. إنها في الحقيقة "تفرض" حلاً، حل الدولتين، وهي خطة يبدو أنها لم تستشر بشأنها الكثير من الفلسطينيين.
    في واقع الأمر، "حل الدولتين مات"، كما يقول يوسف منيِّر، جزئياً لأن إسرائيل واصلت بناء المستوطنات، وهي النقطة نفسها التي تثيرها وارين في بيانها. وفي الواقع، كان هذا الحل "وهماً" على الدوام، كما يستنتج منيِّر، وهو وضع أكَّد جيف هالبر أنه كان دائماً واقع الحال.
    كما يوضح هالبر، لم يقتصر الأمر على أن إسرائيل لم تكن تنوي أبداً جعل الدولتين حقيقة واقعة، بل إن هذا الحل أصبح الآن "آلية ملائمة لإدارة الصراع" حيث تواصل إسرائيل الاستيلاء على البلد بأكمله في "خطوات تدريجية". وبناءً على ذلك، يبدو أن موقف وارين ليس متشدداً على الإطلاق، لكنه يتبع بدلاً من ذلك وهمَ الدولتين الذين لم يكن حلاً موثوقاً على الإطلاق.
    إذا كان "تهديد" وارين باستخدام المعونات المقدمة لإسرائيل كوسيلة للضغط يعتمد على ما إذا كانت ترفض وقف بناء المستوطنات، فماذا عن أداء بوتيجيج في المؤتمر؟ إن القول بأن إسرائيل بحاجة إلى أن تكون متوافقة مع أهداف الولايات المتحدة هو قول مضلل في ذاته، لأن سياسات إسرائيل الاستعمارية-الاستيطانية تشبه إلى حد بعيد دولة لا تتعامل بحسن نية مع سكانها الأصليين الخاصين.
    وفيما يتعلق بالقانون، هناك "قانون ليهي"، بند من قانون المساعدة الأجنبية (المادة 620 م)، وهو إجراء مصمم لمنع وصول المساعدات الممولة من الولايات المتحدة إلى وحدات محددة من قوات الأمن أو الأفراد الذين ارتكبوا انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان.
    إذا كان بوتيجيج ليعترف بذلك البند، بدلاً من عرض إشارات غامضة إلى استغلال المساعدات، فإنه يمكن أن يمس العديد من الممارسات التي طالب بها النشطاء منذ فترة طويلة، مثل تدريب قوات شرطتنا على أيدي سلطات الأمن الإسرائيلية. ولكن عندئذٍ، سوف يعود الأمر إلى تأكيده على أن الممارسات الإسرائيلية يجب أن تتوافق مع السياسات الأميركية. ففي نواح كثيرة، مثل عسكرة الشرطة على سبيل المثال، أصبح البلَدان بالفعل (للأسف) متناغمين تماماً في تعاملهما مع السكان المعارضين.
    ثم يمضي بوتيجيج إلى القول: "يمكنك أن تكون ملتزماً بالتحالف الأميركي-الإسرائيلي من دون أن تدعم أي خيار فردي تتخذه حكومة يمينية هناك". وهنا، يبدو أنه يفصل الحكومات اليمينية عن بقية إسرائيل، وهو، حتى نكون منصفين، خطأ ارتكبه كل مرشح.
    في مقابلة مع لورا فلاندرز، يحذر أرونداتي روي من أن الأميركيين يهدرون الكثير من الوقت وهم يسخرون من ترامب و/ أو على أمل أن يتم عزله. وتشرح فلاندرز: "الخطر مع هذا النوع من الهوس بشخص واحد هو أنك لا ترى النظام الذي أنتج هذا الشخص". ويمكن قول الشيء نفسه بالنسبة للتركيز على نتنياهو فقط أو من يحل محله أخيراً. فسواء كان يسارياً أم يمينياً، وحيث يبدو الآن أنه سيكون يمينياً فقط في المستقبل القريب، فكلاهما صهيوني، وبالتالي لا يرغبان في تفكيك الدولة التي ستستمر في اضطهاد الفلسطينيين بغض النظر عمن يسيطر على الدولة.
    أخيراً، صنع ساندرز، أثناء حديثه في مؤتمر "جيه ستريت" أمواجاً قوية باقتراح أنه إذا كانت إسرائيل تريد مساعدة عسكرية، فسوف يتعين عليها "تغيير (علاقتها) بالناس في غزة" بشكل جذري. ثم ذهب أبعد من ذلك، فاقترح وجوب تحويل جزء من الـ3.8 مليارات دولار التي تتلقاها إسرائيل كمساعدات سنوية إلى مساعدات إنسانية يتم إرسالها للناس الذين يعانون في غزة.
    صحيح أن هناك الكثير من الصعوبات في غزة والتي يمكن تخفيفها بالمعونات، لكن تلك المساعدة من دون حرية الحركة، ومن دون وظائف تجلب دخلاً، ومن دون الحق في في الحصول على تعليم -وباختصار، من دون الحق في العيش بكرامة كما ينبغي للبشر- ستكون في أحسن الأحوال مجرد إسعافات أولية للوضع السيئ.
    والأهم من ذلك كله أنه من دون إجبار إسرائيل على التوقف عن قصف غزة بشكل عشوائي بهدف محو مجموعة كاملة من الناس وتطهيرهم عرقياً، فإن المساعدات المقدمة من الولايات المتحدة للقطاع لا قيمة لها. كيف يمكن للناس إعادة البناء والتركيز على عائلاتهم وعلى تعليمهم إذا كانوا يعلمون أن كل ذلك يمكن تدميره بين عشية وضحاها؟ في الآونة الأخيرة، يوم 5 تشرين الثاني (نوفمبر) 2019، أعلن وزير الطاقة الإسرائيلي وعضو مجلس الوزراء الأمني، يوفال شتاينيتز، أن "عملية عسكرية كبيرة" في غزة قد تكون ضرورية في المستقبل القريب.
    بطبيعة الحال، سارعت جماعات الضغط المؤيدة لإسرائيل، مثل المنظمة الصهيونية الأميركية (ZOA)، إلى الرد بقوة على دعوة ساندرز لتكييف المساعدات العسكرية لإسرائيل. وكما أورد مايكل براون، سرعان ما اندفع رئيس المنظمة، مورتون كلاين، إلى "تويتر" ليصنف ساندرز على أنه "معادٍ للسامية" و"كاره لإسرائيل"، والذي يريد تحويل أموال الدفاع عن إسرائيل لإعطائها لـ"جماعة حماس الإرهابية القاتلة" في غزة.
    ومع ذلك، فإن الكثير من الخطاب حول استغلال المساعدات المقدمة لإسرائيل يبدو، في رأي مايكل آريا، "افتراضياً إلى حد كبير". فمن أجل وضع قيمة عملية في خطاب السناتور وجعله فعالاً، يقترح آريا بعض الإجراءات التي يمكن اتخاذها الآن. على سبيل المثال، هناك H.R. 2407، " قانون تعزيز حقوق الإنسان للأطفال الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الاحتلال العسكري الإسرائيلي"، وهو مشروع قانون قدمته النائبة بيتي ماكّولوم (ديمقراطية عن منيسوتا)، والذي سيكون من شأنه أن يعدل قانون المساعدة الخارجية لضمان عدم استخدام المساعدات الأميركية لاحتجاز الأطفال -ليس فقط في إسرائيل وإنما في أي دولة أخرى أيضاً.
    في مقال نشرة مؤخراً، دعا رمزى بارود إلى دعم مشروع قانون ماكّولوم، وسيشمل ذلك بالتأكيد تقديم مشروع قانون مصاحب في مجلس الشيوخ. وعلى الرغم من أن ماكّولوم طلبت من السناتورين ساندرز ووارين تقديم مثل هذا التشريع، فإن ذلك لم يحدث حتى الآن.
    ما الذي يتطلبه الأمر للانتقال من الخطاب التقدمي إلى العمل الملموس والمسؤول؟ أولاً، الاستجابة لطلب بارود دعم مشروع قانون ماكّولوم، بما في ذلك دفع الديمقراطيين التقدميين -ليس فقط إلى المصادقة على التشريع، وإنما أيضاً إلى تقديم تشريع مصاحب في مجلس الشيوخ.
    ويمكن الذهاب أبعد من ذلك، ببذل جهد لتوسيع موقف مناهضة الصهيونية ليشمل ما اقترح إياد القيشاوي، وماكس إيل وليليانا كوردوفا-كازرجنسكي أنه سيكون مثالياً. ويشرح هؤلاء الكُتاب: "ليست مناهضة الصهيونية مجرد توجيه النقد للسياسات الإسرائيلية الراهنة، أو حتى لفكرة الدولة القومية اليهودية. إنها الرفض لدولة كولنيالية-استطانية عنصرية فرضتها الإمبريالية".
    وفقاً لهذا التحليل، يمكن ربط الدولة الصهيونية بمشاريعها الإمبريالية الأوسع، بما في ذلك تقديمها الأسلحة لكل من، نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا؛ ديكتاتوريات مخروط أميركا الجنوبية والوسطى في سبعينيات وثمانينيات القرن الماضي، ونظام بولسونارو الفاشي في البرازيل.
    في الليلة التي سبقت كتابة هذا المقال، أُطيح برئاسة إيفو موراليس المنتخبة حسب الأصول في انقلاب مدعوم من الولايات المتحدة. وفي بيان من "فيرسو بوكس" للنشر، أعلن العشرات من الأكاديميين والناشطين وغيرهم ما يلي:
    "في وقت كتابة هذا البيان، قامت المعارضة برفع علم ويفالا للسكان الأصليين في جميع أنحاء البلاد. ويشكل موراليس، أول رئيس من السكان الأصليين في البلاد، القائد المعياري لأجيال من الاشتراكيين من السكان الأصليين. وتؤذن الإطاحة به بعودة الأوليغارشية القديمة. إن هذا هو انقلاب ضد وصول الشعوب الأصلية في بوليفيا إلى واجهة التاريخ".
    لطالما وقف إيفو موراليس، بصفته زعيماً لسكان أصليين هو نفسه، بثبات مع الشعب الفلسطيني في كفاحه من أجل التحرر. وباستخدام التحليل أعلاه الذي يصف المشروع الصهيوني بأنه "رأس الحربة للإمبراطورية في جميع أنحاء العالم الثالث وضد النضالات التحررية الوطنية والاجتماعية في العالم الثالث"، فإن من الممكن وضع كل هذه الحركات في تضامن مع بعضها البعض.
    بهذه الطريقة، لا يقوم هذا المنظور فقط بربط فلسطين بهذه الحركات، وبالتالي مواجهة الحجة القائلة بأنها مجرد زاوية صغيرة في العالم. إنه يجبر الديمقراطيين التقدميين على اتخاذ موقف مناهض للإمبريالية، وهو الموقف الذي إذا افتقروا إليه، فإنه ينزع صفة "تقدمي" عن شخصيات مثل ساندرز.
    حتى الآن، لم يعلن أي من المرشحين الديمقراطيين نفسَه مناهضاً للصهيونية. وإذا، وعندما يفعل، فينبغي أن يكون ذلك منطلقاً من "موقف أممي أوسع مناهض للاستعمار"، كما يقترح القيشاوي وإيل وكوردوفا كازرجينسكي، وهو موقف يرفض جميع أشكال الإمبريالية، من الانقلاب الأخير في بوليفيا إلى الاستيلاء الاستيطاني-الاستعماري على فلسطين.

*حصلت على الدكتوراه في الدراسات الأميركية من جامعة نيو مكسيكو. تشمل أعمالها الفكرية "دوغلاس فاكوش وسام ميكي، محررون. (2017)، "‘لا وطن ولا منفى هي الكلمات’: ‘المعرفة المكانية’ في أعمال الكتاب الفلسطينيين والأميركيين الأصليين".
*نشر هذا المقال تحت عنوان: ‘Everything is on the Table’: In the World of American Politics What Should that Really Mean?